للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على تقليده في كثير من الأنظار. وهذا أيضا مما أستثقله من إيراده في هذا الباب، كما أستثقل منه الرمز إلى مخالفة مالك وأصحابه للسلف، واستيطائهم مركب العقوق في الحقول، وخرقهم حجاب الهيبة، إلى غير ذلك من ألفاظه التي هي مصيحة، وليست معانيها صحيحة، ولا معنى للعقوق هاهنا وذكره، وهو كالخارق في مقدم نفسه حجاب الهيبة، إذ لم يتهيب أبا حنيفة ولا مالكا رضي الله عنهما، وأشار في هذا الباب إلى استثقال مخالفته للشافعي رضي الله عنه (ص ١٢٢) أم طريقة مالك عنده أسد، وهلا جرى فيمن تقدم من أئمة الأشعري على هذا الأسلوب؟ فيما نبهنا عن مخالفته لهم، وإن اعتذر عنه معتذر بأن تلك مسائل أصول، وهذه مسائل فروع، وأن حسن العبارة عن الماضي، وتحسين المخارج لهم لا يضيق على من هو أضيق منه باعا، فكيف به مع اتساع باعه في العلوم لفظا ومعنى.

والذي أشرنا إليه من محاذرته مخالفة الشافعي هو قوله: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) الآية، وهي تتضمن قصر المحرمات على ما ذكر فيها، وهي من آخر ما نزل، وهذا يقضتي جواز أ: ل الحشرات كما قال مالك، لكن الشافعي رضي الله عنه أجراها مجرى العموم الخارج عن سبب، ورأى أن الجاهلية كانت تستبيح أكل الميتة وما ذكر معها، فأنزل الله الآية تغليظا لهم، وإشعارا بأنهم على مضادة الحق، فكأنه يقول على جهة العكس عليهم، لا يحرم ما حللتموه، وليس الغرض الحصر، وإنما الغرض المناقضة، وهذا قد يكون الشافعي أجراه مجرى التأويل، ومن قال بمراعاة اللفظ دون سببه لا يمنع من التأويل، فالقطع على إضافة هذا المذهب إلى الشافعي من هذا الذي قاله في هذه الآية وأشار إليه لا يوثق به، وقد حكى غير أبى المعالي من المصنفين أن الشافعي اختلف قوله في قصر العموم على سببه، أو تعديه إلى ما سواه.

وقد تكلمنا نحن في كتابنا "المعلم" على هذه الآية، وحققنا طريقة بيانها على أصول الفقه، كما أنا تكلمنا فيه أيضا على حديث عبد بن زمعة كلاما شافيا مبسوطا، يعلم من اطلع عليه وتأمل مراميه، أن الأمر ليس كما ظن أبو المعالي بأبي حنيفة في جهله بحديث ابن زمعة، بل هو متأول عنده، وقد حكينا في كتابنا هناك تأويل من تأول من أصحاب الحديث، وذكرنا أن الولد لا يلحق بسيد الأمة، إلا أن يكون استولدها قبل ذلك على رأي أبي حنيفة، كما أنه على رأي مالك لا يلحق بسيدها حتى يكون قد اعترف بوطئها، وليس في الحديث أنه اعترف بوطئها، ولا أنها ولدت منه، فهذا مالك اشترط في الإلحاق تقدم إقرار السيد

<<  <   >  >>