معهود، وهو ما تقدم ذكره، ومن قال بالتعميم فكأنه حمل على الجنس، ولا عمدة لمن قال بقصر العموم بسببه، إلا أن السبب لو لم يكن الجواب مرتبطا به لم ينقل إلينا ذلك، إذ ما لا يفيد لا تتشاغل الأئمة بذكره.
وأجيب عن هذا بأن من قال بالتعميم اتباعا لحكم اللفظ يجوز التخصيص لبعض هذا العموم بطرق التخصيص كالقياس إن قال به، فإن كان اللفظ مبتدأ أجزنا التخصيص في آحاد متضمناته، من غير أن يخص هذا عينا دون عين، أو واحد دون واحد.
وأما تخصيص العموم الخارج على سبب فإنا نمنع تخصيص سببه، إذ لو أجزناه وقلنا: دل القياس على أن صاحب الشرع ما أراد بقوله: "خلق الله الماء طهورا" بئر بضاعة، وإنما أراد ما سواه من المياه، جعلنا كلامه عليه السلام غير مشتمل على بيان ما سئل عنه، ولا يصح منه صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن بيان ما يحتاج إلى بيانه فيضرب عن بيانه ويبين غيره مما لم يسأل عنه، وقد أضيف إلى أبي حنيفة أنه يجوز التخصيص في هذا العموم تجويزا مطلقا، حتى يصح عندهم تخصيص سببه، ويجريه مجرى العموم المبتدأ.
وقد استنكر أبو المعالي أن يذهب إلى هذا المذهب محصل لظهور قبحه، ولكنه اعتذر عن أبي حنيفة بعذر هو أشد من الذنب، فأشار إلى أنه إنما قال هذه المقالة، لأن قوله: لا يلاعن الزوج لنفي الحمل، مع أن آية اللعان إنما نزلت في نافي الحمل، فكأنه خص سببا، وأجراها على عمومها فيما سوى سببها، وكذلك صنع في حديث عبد بن زمعة، فإنه عليه السلام قال:"الولد للفراش"، وأورد هذا اللفظ وهو التخاصم في ولد أمة، ثم لم يلحق أبو حنيفة ولد الأمة بسيدها، وألحق ولد الحرة بزوجها، وإن تيقنا أنها لم تعلق منه، مثل أن تكون بالمشرق وهو بالمغرب، فكأنه أجرى قوله:"الولد للفراش" على عمومه فيما سوى سببه، وهو التنازع في ولد المملوكة، فأضاف أبو المعالي إليه أنه كان غير مهتم كما يجب بحفظ أحاديث النبي عليه السلام، وإنما كان مهتما بالرأي المعهود من السلف رضي الله عنهم، فلأجل ضعفه في علم الأخبار قال ما قال في اللعان، وفي ولد المملوكة، حتى لو سمع الخبرين وضبطهما كما يجب، لما قال بما قال في أسبابها.
وهذا اعتذار عن مثل هذا الإمام يجب أن يعتذر عنه المعتذر به، وإضافة التقصير إليه في إجازة تخصيص السبب، وتصوره أن يكون النبي عليه السلام أضرب عن الجواب عما سئل عنه إلى غيره، لأمر دعاه إلى ذلك أولى من أن يضاف إليه ترك الاطلاع على قصتين مشهورتين: حديث اللعان، وحديث عبد بن زمعة، ولا يكاد يخفيان عمن اشتغل بالعلم أدنى اشتغال، فكيف بمن ناظر فيه الرجال، وصار فيه مخطئا للرجال، واندرجت الأعصار