للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التخصيص على حكم الجواب العام، أو يكون اللفظ محكوما له بالعموم على مقتضى أصل وضعه عند المعممين، ولا يلتفت إلى سببه لكونه مستقلا، فأشبه اللفظ المبتدأ من غير سبب.

هذا مما قال فيه أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي: بأنه يحكم بعموم اللفظ ولا يقصر على السبب، وشذ بعض أصحابنا وهو أبو الفرج، فقال بقصره على سببه، ورده عن دلالته على العموم، وقال به أيضا من أصحاب الشافعي المزني، والدقاق، والقفال، وبه قال أبو ثور، وحكاه أبو حامد الإسفراييني عن مالك، وأشار ابن خويز منداد إلى اختلاف قول مالك في هذا، استقراء من اختلاف قوله في غسل الآنية التي ولغ فيها كلب، وفيها طعام، فقال مرة أن يغسل ففي الماء وحده، قصرا منه لعموم اللفظ، وهو قوله عليه السلام: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم" الحديث، على ما ورد فيه الحديث [و] هو الماء، وقال مرة: تغسل سائر الأواني، وإن كان فيها طعام، آخذا بعموم (ص ١٢١) اللفظ غير ملتفت إلى سببه. واختار ابن خويز منداد إجراء اللفظ على حكمه في أصل الوضع من غير مراعاة سببه.

وقد وقع في الشرع مواضع اتفق على تعديها إلى غير أسبابها، كما نزل الظهار في حديث سلمة بن صخر ثم تعداه إلى غيره، وكما نزل اللعان في قصة هلال بن أمية ثم تعداه إلى غيره، وكما نزل القذف في رماة عائشة ثم تعدى ذلك إلى غيرهم، وإن كان فقد قال تعالى: (يرمون المحصنات) فجمعها مع غيرها، ولكن الرماة لها كانوا معلومين، فتعدى الحكم إلى من سواهم، فمن يقول بمرعاة حكم اللفظ كان الاتفاق هاهنا هو مقتضى الأصل، ومن قال بالقصر خرج عن الأصل في هذه الآي بدليل، وقد مثل الناس ما نحن فيه بهذه المثل.

ولو خرجت على الاختلاف في الألف واللام؛ هل تقتضي الصيغ التي دخلت عليها العموم؟ ويكون المراد الإشارة إلى الجنس، أو تكون محمولة على العهد، كما تقدم الخلاف فيه، لكان تخريجا لائقا، لأن الألف واللام في قوله عليه السلام في بئر بضاعة: "خلق الله الماء طهورا"، من قال بقصره على بئر بضاعة صار الألف واللام كالمشار بهما إلى

<<  <   >  >>