الجواب الذي نحن فيه، وهو تنزيل الخطاب على حساب فهم المخاطب، وقيل أيضا في قوله تعالى:(وهو أهون عليه) أن الضمير عائد على المخلوق، لأن الإنسان يندرج في هذه الفطرة الأولى، من حال إلى حال، ويشق عليه ما يلقى فيها من انتقال، وتدريج، كانتقاله من رضاع إلى فطام و (...) فطرة الآخرة نشأة واحدة، لا يكابد فيها الإنسان من تغيير الأحوال ما يكابد في دار الانتقال، وقيل أيضا إن أهون هاهنا (ص ٦٥) بمعنى هين، وتقدير الكلام: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو هين عليه، فلا يثبت مع هذا التأويل مفاضلة تشعر بمشاق يتقدس عنها الخلاق.
وقد ذكر الزجاج طريقة أخرى في الاعتذار عن قوله:(أثمًا أو كفورا) ورأى أن ذلك خرج مخرج التأكيد، لا مخرج التعديد والآثم هو الكفور.
وقد ألحق بما ذكرناه من معاني أو، معنى آخر وهو أن يكون بمعنى "إلى"[مثل] أن يقول لا أفارقك أو تقتضي حقي، معناه لألزمتك إلى أن تقتضيني حقي.
[حرف "هل"]
وأما حرف هل فترد على ثلاثة أنحاء:
للاستفهام، ويليه الاسم أو الفعل، تقول: هل قعد زيد؟ وهل زيد قائم؟ وبمعنى قد، وعليه يحمل قوله تعالى:(هل أتى على الإنسان حين من الدهر)، معناه قد أتى.
وبمعنى التقرير كقوله تعالى:(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) وعندي أن الآية التي استشهد للناس بها على أن "هل" بمعنى قد ترجع إلى هذا القسم الآخر، وهو التنبيه والتقرير، ويكون القصد بها تنبيه الإنسان على ابتداء فطرته، واختراعه، ثم تدريجه في الفطرة، ليعتبر بذلك، ويعلم منه أنه مخلوق مربوب.
فإن أدخلت على حرف "هل""لا"، صارت للتحضيض، تقول: هلا زرتني، هلا أعطيتني، والمراد الحث، والتحضيض.
[حرف "لا"]
وأما حرف "لا"، فإنه للنفي، وقد يكون القصد بها التبرئة، واستغراق الجنس، تقول: لا رجل في الدار فإذا وصل بالنكرة المفردة بنيت على الفتح قال تعالى: (لا بيع فيه