وأما النظر في حكم حرف، أو لفظة فإنما يحتاج إليها في الفقيهات في مسألة أو مسألتين، فلا معنى لإدخالهما هاهنا، لأنها لا تكون كالقانون الكلي، الذي يتصور فيه حقيقته الأصلية، وأيضًا فإنه يلزمهم إذا التزموا هذا استيعاب كل ما يتعلق بمسائل الفقه، من علم اللسان، وهيهات أن يستوعب هذا إلا من استبحر في علم اللغة، والنحو، وإيراد ما يفيد الاستبحار يقتضي تصنيف دواوين عظيمة.
وهذا يشير إلى أن لا معنى لكلامهم على حرف الباء هل هي للتبعيض لأن المتعلق بها من مسائل الخلاف مسألة واحدة، وهي النظر في قوله تعالى:(وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)، هل المراد بعض الرأس، أو كل الرأس؟
وتعدوا هذه المرتبة حتى تكلموا، على حروف لا توجد في مسائل الفقه المتلقاة من قول صاحب الشرع، وهلا تكلموا على الصعيد في الفقه ما هو؟ لأنه من مسائل الخلاف المتعلقة بآية الطهارة كحرف الباء وحرف إلى في قولله:(إلى المرافق)، وهلا تكلموا على حقيقة الغسل في اللغة لأنه من مسائل الخلاف المتعلقة بآية الطهارة أيضا؟ فإن قصدوا بذكر نبذ من هذه الألفاظ المفردة تنبيه الفقيه على أنه يحتاج من علم اللغة إلى غير ما ذكروه في تلك القوانين الكلية التي هي القول في الأوامر والعموم، فذلك مقصد يليق، ولعل الآخر منهم اتبع الأول، استقالا لاطراح ما تحفل به أشياخه، وهذا الداعي له إلى أن سلك ما سلكوه، كما هو الداعي لنا نحن أيضًا إلى أن نفعل ما فعلوه.
وإذا انحصر الأمر إلى النظر في معاني الكلام عند العرب، فيجب أن يعرف حد الكلام وأقسامه.
فأما حده فقد قيل فيه: هو ما نفى عن ذات من وجد به الخرس، والسكوت، والطفولية، وقدر هؤلاء أن الامتناع الاختياري يسمى سكوتا، والمنع الاضطراري إن كان مؤبدا يسمى خرسا، وإن كان يترقب انقضاؤه سمي طفولية.
وحده آخرون بأنه: ما اشتق للمتكلم منه اسم متكلم، وهذا قد تقدم في الكلام على حد العلم التنبيه على ما في هذه الطريقة من الاحتمال.
وقيل فيه: هو المسموع المفيد من غير مواضعة، فقال هؤلاء: المسموع، ليميزوه من غيره من الصفات كالقدرة والحياة، وقالوا: المفيد، لأن خوار البقرة، ورغاء البعير، ووعار