وهذا التعسف لا حاجة بنا إليه، لأنا نجد جوابا مما قاله المعترض على ذلك الأصل، وذلك أن القمر حدث ذلك فيه بالليل، والناس نيام، ومن كان يقظانا فربما كان في مضجعه، أو في مكان غير بارز إلى السماء، ولو كان بارزا لأمكن أن يكون غير ناظر للقمر في تلك اللحظة التي انشق فيها ثم عاد، ولو كان ناظرا إليه تلك اللحظة لأحال ذلك على فساد وقع في تخيله، أو علة في بصره لا محالة، كما نجد الآن فينا لو تصور لنا في الجو خيالات صور، يعلم أنها لا تكون، فإنا نرجع بذلك إلى أنه عارض خيال فسد، لا سيما إذا كانت أمور تذهب عن قرب حتى لا يمكن تثبت البصر لها، وشدة تحديق المبصر إليها، وذلك أشد وآكد في اعتقاد أن ذاك الذي أدرك ليس على حقيقة ما تخيل. وقد يقدره كوكبا، أو شهابا شق وسط القمر، أو غير ذلك من الأمور التي تفزع إليها نفوس العقلاء ضبطا لعقولها عن الانقلاب إلى ما استمرت أمور العقول على خلافه.
وهذا الذي قلناه واضح لكل من تدبر العوائد، فإذا أمكن في العادة هذا لم يكن هدما للاصل الذي قررناه، وإذا لم ينهدم الأصل الذي قررناه فلا حاجة للتعسف على تأويل القرآن بحمله على ما يبعد في حكم المساق. ومتى ورد عليك (ص ٢٠٢) أمثال هذه المسائل فاسلك فيها هذه المسالك التي أريناك طرق الجواب [عنها] تأصيلا وتفصيلا.
[فصل في خبر الواحد]
الكلام في هذه المسألة من أربعة أوجه:
- أحدها: تحقيق عبارات أطلقها حملة الشرع.
- والثاني: هل يثمر خبر الواحد العلم أو الظن؟
- والثالث: يجب العمل به أم لا؟
- والرابع: سبب الاختلاف في وجوب العمل به.
فأما الوجه الأول فإن القوم يطلقون هذه العبارة، ومرادهم بها كل خبر قصر عن أن يقع العلم به، ولا يتلفتون إذا لم يقع العلم به إلى كون راويه واحدا أو أكثر منه، ما لم تبلغ الكثرة إلى خبر التواتر الموجب للعلم، فإذا وقع العلم بالخبر لم يسموه خبر واحد، ولو كان راويه واحدا، إذا وقع العلم بخبره ضرورة أو استدلالا، ومقتضى اللغة يسمى مثل هذا خبر واحد وإن وقع العلم به، كما أن مقتضاها منع تسمية ما رواه الجماعة خبر واحد، وإن لم يقع عن خبرهم العلم، فالاصطلاح وقع بخلاف مقتضى اللغة طردا وعكسا.