وتركه سيان، وهذا منتقض بأفعال الله سبحانه، فسوى فعله وتركه تعالى في تفويض الأمر إليه في ذلك، وأنه موقوف على إرادته، وربما استوى ذلك في المصلحة عند من اشترط في أفعاله تعالى المصالح. وتنقض أيضا بأفعال البهائم فإنه قد استوى فعلها وتركها.
ولما أحس بالمناقضة بأفعال الله سبحانه بعضهم قال: المباح ما لا يستحق مدح بفعله، ولا ذم بتركه. وهذا وإن لم ينتقض بأفعال الله سبحانه لأنه يستحق المدح عليها، فإن ينتقض بأفعال البهائم، فإنها لا تذم ولا تمدح على أفعالها، وأفعالها ليست بمباحة.
ولما تفطن الآخرون إلى الفساد بهذه الطرق أضافوا إلى هذا المعنى ما تخلصوا [به] من النقض، فقال بعضهم: ما ورد الإذن عن مالك الأعيان بأن فعله وتركه سيان. بهذا كان يحده أستاذي الأصولي، ولكن لابد من الزيادة التي كنا قدمنا التنبيه عليها في فصل قبل هذا، وهي قولنا: من حيث هو ترك له، فيقول: ما ورد الإذن من مالك الأعيان بأن فعله وتركه من حيث هو ترك له سيان. وقد بسطنا وجه الحاجة إلى هذه الزيادة، وهي أن المباح قد يترك لمعصية فيكون الترك حراما، ولكن إنما حرم لأجل نفسه، لا لأجل كونه تركا للمباح.
وقال بعضهم: ما أذن الله سبحانه في فعله وتركه من غير مدح على فعله، ولا لوم على تركه، ولابد أيضا من تلك الزيادة من حيث هو ترك له.
وقال بعضهم: ما أعلم المكلف أنه لا نفع له في فعله، ولا ضرر عليه في تركه، ورأى هؤلاء أن الإعلام والإذن، أو عبارة تنوب مناب هذين يدفع النقض بأفعال الله سبحانه وأفعال البهائم، ولابد مع هذه العبارة الدافعة للنقض، والتعرض لخاصية الفعل والترك من تلك الزيادة التي نبهنا عليها مرارا في جميع حدود هؤلاء، وقد قدمنا قول من قال: إن المباح مأمور به، وصار إلى هذا أبو الفرج من أصحابنا، وأصحاب هذه الطريقة ليسوا من هؤلاء الذين قدمنا مذاهبهم في ورود الأخبار في أصل هذه المسألة.
[فصل في مصارف صيغ الأوامر والنواهي]
أما صيغة الأمر والنهي فقد تقدم بيانهما، وأما (ص ٩٩) ما يسمى أمرا ونهيا فقد تقدم أيضا بيانه، وأن الجازم يسمى بهذا، وما لا جزم فيه من أمر أو نهي فعلى القولين، وأما ما