هذه المسألة ذكر أبو المعالي أنه لا فائدة في الخلاف فيها، ولا جدوى، وإنما هي تناقش في عبارة، وليس الأمر كما ظن، وذلك أنه كثير مما يقع في ألفاظ الرواة أمره عليه السلام بكذا، ونهى عن كذا، فيفتقر الفقيه هاهنا إلى معرفة المراد بهذا اللفظ، فإن اعتقد أن المندوب إليه غير مأمور به، وأن الراوي معتقد لذلك حمل قوله:"أمر" على أن (ص ٨٥) المراد به أوجب.
وكذلك يحمل قوله عليه السلام: أمرتكم بكذا، على أن معناه: أوجبت عليكم، لأن المندوب إليه لا يسمى مأمورا به على الحقيقة، وإن سمي بذلك فتجوزا، فلا يفتقر الفقيه حينئذ إلى تردد، وبحث عن هذا الحكم المنقول هل هو مستحق أو مستحب.
وإن كان مذهبه أن المندوب إليه مأمور به، تردد في قول الرسول عليه السلام: أمرتكم بكذا، وقول الراوي عنه: أمر بكذا، هل المراد به أمر واجب، أو أمر ندب، ولم يفت بالوجوب إلا بعد نظر آخر، وأدلة تقوم له على ذلك، وهذه فائدة ظاهرة متعلقة بالفقه، فقد صارت المسألة كأصل يثمر فروعا فقهية فحسن الكلام عليه، كما حسن من جماعة الأصوليين إدخالهم في كتب الأصول الكلام على قول الرواة: من السنة كذا، كان عليه السلام يفعل كذا، وقضى عليه السلام بكذا، لأن في تحقيق هذه الألفاظ تحقيق ما بني عليها مما نبهناك عليه.
وأما نقل المذاهب فيها، فإنها مسألة اشتهر الخلاف [فيها]، فللأصوليين قولان:
- فالشيخ أبو الحسن الأشعري يذهب إلى أنه غير مأمور به.
- والقاضي ابن الطيب يذهب إلى أنه مأمور به.
وأبو المعالي لما اعتقد ألا فائدة فيها لم يستقص البحث فيها، وردد القول فيها، ورأى أنه قد يقال: ندبتك وما أمرتك، والمراد ما جزمت عليك الأمر، وقد يقال: أمرتك استحبابا.
وقد اختلف الفقهاء فيه أيضا، فمن أصحاب الشافعي من أثبت كونه مأمورا به، ومنهم من نفاه، وإلى هذا صار بعض أصحابنا، ورأى أن المندوب إليه ليس بمأمور به على الحقيقة، وهذه المسألة إنما يرجع فيها إلى النقل عن العرب، ولما فقده القوم رجعوا إلى الاستدلال على ما عند العرب، فمن أثبته مأمورا به استدل بإجماع الأمة على أن التنفل بالأسحار، والتسبيح، وذكر الله سبحانه بالعشي والإبكار طاعة لله سبحانه، والطاعة هي