عندنا موافقة الأمر، بدليل قوله تعالى:(لا يعصون الله ما أمرهم)، وقوله:(لا أعصي لك أمرا)، وبقوله:(أفعصيت أمري) فجعل مخالفة الأمر معصية، والطاعة نقيض المعصية، فلتكن الطاعة موافقة الأمر، لما كانت المعصية مخالفة الأمر، وأنشدوا في ذلك:
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ................................
فقتضت هذه الأشعار أيضا كون المعصية مخالفة على حسب ما قلناه، وإذا ثبت كون الطاعة موافقة الأمر، وثبت كون المندوب طاعة أنتج ذلك كون المندوب إليه مأمورا [به]، وإذا عمل هذا على طريقة أهل المنطق قيل:
كل مندوب إليه طاعة، وكل طاعة مأمور بها، فهاتان مقدمتان نتيجتهما موضوع الأولى ومحمول الثانية، وهو: كل مندوب إليه مأمور به.
والمعتزلة رأت أن الطاعة موافقة الإرادة، وهذا ينقض عليهم بما تقرر في كتب علم الكلام أن الله سبحانه أمر أبا جهل بالإيمان، ولم يرده منه، ونهاه عن الكفر، وأراده منه، والمعتزلة تخالف في إرادة الله سبحانه لهذا، فيثبت مذهبنا في هذا الأصل بما عرف في كتب الكلام، فيبطل بإثباته ما قالوه.
والمباحات عندنا مرادة لله سبحانه، وليست بمأمور بها، وهو جل جلاله قد يفعل لنا ما نريد ولا يكون مطيعا لنا بكون فعله مطابقا لإرادتنا. فإن قيل: أبطلتم كون الطاعة موافقة الإرادة، فهلا كانت الطاعة ما حصل به الثواب، فلا يكون المندوب إليه مأمورا به، لأجل كونه طاعة، بل إنما يكون طاعة لأجل كونه مثابا عليه؟ قيل: نحن لا نوجب على الله سبحانه أن يثيب المطيع، ولو أمر بأمر وامتثله المأمور لكان المأمور مطيعا، وإن أخبره الباري سحبانه بأنه لا يثيبه، وهاهم يقولون: إن بعض الطاعات يحبط ثوابها وأجرها بفعل الكبائر، وهي مع هذا امتثال لأمر الله سبحانه، وعندنا أنا نجوز إحباط الأجر لتعري الفعل من الثواب، فعلى أصلنا وأصل المعتزلة لا يصح تعليق الطاعة بالثواب.