ذلك ملغزا أو هازلا، فإنه يحسن أن يستثني من هذا الحديث سائر النسوان سوى المكاتبة، فإذا حسن هذا بالاستثناء حسن بالتأويل، فإن هذا قياس على اللغة، وهو لا يسع، والصيغ والنظم مختلف إحكامه.
هذا وقد منع القاضي مثل هذا الاستثناء، ومن جوز مثل هذا الاستثناء إذا وقع في الإقرارات وغيرها من غير الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يعده من الكلام المستهجن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجل عن هذا، وهذه المسألة ذكرنا في كتاب "المعلم" وفي شرح التلقين اختلاف الناس فيها، وذهاب من ذهب إلى أن الولي لا يفتقر إليه شرعا في صحة العقد على الفروج، كما لا يفتقر إليه في العقد على الأموال، وهو مذهب أبي حنيفة، وذهاب من ذهب إلى افتقار العقد إليه في الفروج بخلاف الأموال، وهو مذهب الشافعي، ومذهب أبي ثور في أنه يفتقر إليه إذنا عقدا، فإذا أذن صح عقد المرأة على نفسها أخذا بظاهر هذا الحديث.
وقد قدمنا نحن فيما مضى من هذا الكتاب تأويل الحديث على وجه تمنعه من التعلق به، وذهب داود إلى التفرقة بين الثيب والبكر، فأخذ في البكر بمذهب مالك، في الافتقار إلى ولي، وفي الثيب بمذهب أبي حنيفة في إسقاط اشتراط الولي تعلقا منه بالحديث المشهور المذكور فيه:"الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها"، وهذا أيضا يحتاج إلى عمل آخر من أصول الفقه، وبيانه ما قدمناه من الأدلة وما لم نذكره مما بسطناه في شرح التلقين يعرف منه الصواب من هذه المذاهب، ولا يمكن النظار أن [يبين] حكم الله سبحانه في هذه المسألة حتى يسلك فيها هذه المسالك التي أريناك، وهي كالبادي لنظر النظار، وفي هذا كفاية.