للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينه وبين القياس على حسب ما ذكره أبو المعالي.

فهذه المثل والتقاسم كما ترى، والتحقيق منها ما نبهناك عليه، ولا شك أن مراتب الظن المستفاد من الألفاظ تتفاوت تفاوتا لا يكاد ينضبط، والحق فيما عارض هذه الظنون الموازنة بين المتعارضين حتى يترجح أحدهما فيقدم، ومطلوب الفقيه ظنون تحصل له، فإذا حصلت علق الأحكام عليها، ولكن لا يطلق الفقيه هواجس خواطر يسرح فيها كيف شاء، ولكن لابد أن يجري خواطره على مضمار مسالك السلف في الاستنباط واستفادة الظنون.

فهذا هو الحق، وما ذكره أبو المعالي في قوله: "فيما سقت السماء العشر" لائح وجهه لوث ثبت أن النبي عليه السلام صدر منه هذا اللفظ عند سؤال قوم علموا جنس ما يزكى وما لا يزكى مما تنبته الأرض، وجهلوا مقدار الزكاة، وأما إذا خرج مبتدأ غير جواب عن سؤال، ولا مطابقة لحكاية حال، فلا يقطع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد به العموم، ولكن إن حمل على العموم فمرتبة هذا الظن تتقاصر عن مراتب ظنون أخر بعمومات أخر.

وكذلك بقية ما أورده في هذا الباب من المثل، مثل بها سائر الأقسام، ينبغي أن تنتبه فيها لما قلناه، وتجري كل حديث على ما بيناه، وتضعه موضعه في إفادة الاستيعاب حتى لا تغلي فيه ولا تقصر، وهذا يعرفه كل كاشف لأسرار اللغة والأصول.

[مسألة تأويلية متعلقة بالصناعة النحوية]

اعلم أنه لا يسمع تأويل المتأول إذا أخرج الكلام بتأويله عن مجراه المألوف في اللسان، وعن الفصيح من اللغات، حتى يصير التأويل متعسفا مستكرها، يلحق كلام صاحب الشرع بغث الكلام وركيكه، لأن ردئ الكلام ومستهجنه إنما يقع فيه المتكلم إما عن جهل به، وهذا لا يضاف إلى صاحب الشرع، وإما عن إيثار الأدنى، والقصد إلى الأدنى من غير عذر ولا ضرورة، والعقل يقتضي إيثار الأفضل مع السعة والاختيار، كما يسامح في العدول عنه مع الاضطرار، كتسامح أهل اللسان بما يقع في القوافي من إقواء وغيره من عيوب، ويتسامحون بصرف ما لا ينصرف، إلى غير (ص ١٧٢) ذلك مما عليه ضرورة الشعر وضيق الوزن، على خلاف بينهم في بعض ما يتسامح به في مثل هذا مما هو مبسوط في كتبه.

فإذا قال القائل: إن غسل الرجلين مما اختلف الناس فيه، فالذي عليه أئمة الفقهاء وجمهور المسلمين في سائر الأمصار على كرور الأعصار أن فرض الرجلين في الوضوء

<<  <   >  >>