أبي حنيفة إن تعلقوا بقوله تعالى:(وثيابك فطهر)، منعوا من هذا القبيل، وقد رد الشافعي هذا عليهم بأن القصد بالآية الأمر بالطهارة على الجملة، لا بيان ما يتطهر به. وهذا مثل قوله تعالى في آية الوضوء:(فاسعلوا وجهكم)، ولم يبين ما يغسل به، لما كان القصد سواه، ثم مع هذا لم يستدل به في إباحة الوضوء في كل مائع، بل كان الحكم الاقتصار على الماء فقط.
قال: وأما القسم الثالث فهو ما لم يلح فيه القصد إلى التعميم ولا إلى نقيضه، بل وقع مطلقا، فذكر أن هذا موضع الموازنة ما بين الظن المستفاد من اللفظ الدال على الاستيعاب، وما بني الظن المستفاد من قياس دل على التخصيص وصد عن الاستيعاب، فما رجح من الظنين قدم على صاحبه، إما الاستيعاب المستفاد من اللفظ، أو التخصيص المستفاد من الاستنباط.
إن تساوي الظنان في النفس فرأى القاضي أن لا يقدم أحدهما على صحبه، ويطلب الحكم من غيرهما، ورأي أبي المعالي أنه يقدم الظن المستفاد من اللفظ جريا على ما تقدم من تقدمة الخبر على القياس، وأن ذلك عادة الصحابة رضي الله عنهم في تركهم الالتفات إلى الأقيسة والبحث عنها مع وجود الأخبار عن النبي عليه السالم، هذا معلوم من مذهبهم على الجملة.
ومثل أبو المعالي هذا القسم الذي تلوح فيه قرينة تدل على التعميم أو التخصيص بقوله عليه السلام:"الأعمال بالنيات"، فإذا خرجت منه بعض الأعمال بالتأويل كإخراج أبي حنيفة الوضوء، نظر في الدليل العاضد لتأويل مع دلالة اللفظ على الاستيعاب، ووزن الناظر في المسألة بينهما، واستعمل ما قلناه.
والذي أراه أن ما أورده من مثل هذا الباب وتقاسيمه فيه اضطراب، وقد نبهت في صدر هذا الباب على أن القائلين بالعموم يستغنون عن تطلب قرينة تقتضي الاستيعاب، بل يرون مجرد اللفظ دالا على قصد العموم.
والقائلون بالوقف لا يرون ما ذكره أبو المعالي من القرائن قرينة توجب الاستيعاب، وتنقلهم عن مذاهبهم في الوقف، وإذا وقفوا فلا ظن عندهم مستفاد من اللفظ حتى يوازن