عندهم ولا مقبول، وإن عضد التأويل بدليل، نظر في ذلك الدليل بحسب ما قلناه في تخصيص العموم.
وقد تقدم كلامنا على تخصيص العموم بالقياس، وتخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد، وسنتكلم على تعارض الأقيسة والأخبار، ونبين أن الواجب تقدمة القياس على خبر الواحد، والإنصاف اتباع هذه المسالك، والنظر في الحديث بعرضه على هذه الأصول. لكنا لا ننكر تفاوت صيغ العموم وكون بعضها يكاد يلحق بالنصوص في إفادة الاستيعاب، وكون بعضها على طرف نقيض من هذا حتى تكون دلالته على الاستيعاب تلوح تارة، وتخفي أخرى، وكون بعضها متوسطا بين هاتين المرتبتين، وتختلف أيضا مراتب هذا المتوسط بالقرب من الحاشية الأولى أو الثانية اختلافا لا يكاد ينضبط على حسب ما تقدم بيانه في كتاب العموم.
وقد ذكر أبو المعالي هاهنا أن مثل هذه الأخبار على ثلاثة أقسام:
منها ما لا يسمع فيه تأويل، ولا يصغى إلى عاضده بدليل، ورأى هذا الحديث وأمثاله من كل ما لاح فيه قصد صاحب الشرع إلى التعميم [من هذا النوع]، وقد بينا نحن ما عندنا في هذا، وأن ما عده قرينة لا يسلمه له إلا من صار إلى حمل الألفاظ على الاستيعاب، وإن لم تقارنها قرائن تدل على الاستيعاب.
والقسم الثاني: يسمع فيه التأويل وإن لم يعضد بدليل، وهو ما لاح فيه ترك القصد إلى التعميم، وعد في مثل هذا قوله عليه السلام:"فيما سقت السماء العشر" الحديث، وأنكر أصحاب أبي حنيفة الاستدلال به في إثبات الزكاة في الخضراوات، لكونها تسقيها السماء، أو تسقي بالدالية في عموم الحديث، ورأى أن قصد الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا تعليم حيث يؤخذ العشر، وحيث يؤخذ نصف العشر، ولم يقصد التعرض إلى ما يزكى وما لا يزكى، فيستدل بذلك على إثبات ذلك في الخضراوات، والاستدلال بالخير على حكم لاح من قصد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يقصد إليه ممنوع. وهذا كمثل قوله:"في سائمة الغنم الزكاة"، فإنه (ص ١٧١) لم يقصد به بيان النصب، بل بيان جنس ما يزكى، فلم يتعلق به في إثبات الزكاة فيما دون النصاب، وإنما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم تعويلات على ما بين من أصحاب النصب.
وعد من هذا القبيل إزالة النجاسة بالخل واللين وغيرهما من المائعات، فإن أصحاب