دعت الضرورة في هذا الكتاب إلى الخروج عن رسم ما يقتضيه التأليف في هذا العلم، وذلك أن أبا المعالي رمز فيه إلى مذاهب الفلاسفة في القوة الفكرية والعقلية، وخرج عن عادته القديمة في إكبار أئمة الأشعرية، وتحسين المخارج لهم، فيما قد يظن ظان بهم، أنه يتوجه عليهم فيهم قدح، وأشار إليهم بأنهم طاشت منهم الأحلام في أمرهم في استهانتهم إياه كالنيام استركاكا واستهجانا، ووصفهم أنهم جهلوا من علم الفلسفة أمرا فاختبطوا لأجله.
وحاشى أهل الاعتقاد الصحيح أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبن الطيب، وابن فورك، وابن مجاهد، وغيرهم من أئمة الدين أن يختبطوا، والمذهب الذي ذكر أن أهله اختبطوا هم هؤلاء، والمعتزلة على أصله اختبطوا أيضا.
هذا وقد وقع له في هذا الكتاب الإشارة إلى الثناء على ابن الجبائي المعتزلي في مواضع، وتحسين الظن به، وتخريج المخارج الجميلة لكلامه في موضع آخر، وأئمته أحق بهذا منه من ابن الجبائي، وهول هذا الفصل حتى نظر إلى الريح الرخاء بعين الزعازع، وذكر أنه لا مطمع في معالجة ما رمى إليه، فضلا عن استقصائه.
فرأيت أن الواجب الذب عن هؤلاء الأئمة، وإبانة أنهم لم تطش أحلامهم، بل هو الذي طاش به حلمه (ص ١٠٠)، إذ كان في القديم من كتبه في هذا الفصل الذي نحن فيه على رأيهم، ثم انتقل عنهم لتخييلات كتخييلات الشعراء، واستعرابات الصوفية، مجانبة لحقائق المتكلمين، نام المتكلمون فيما قالوه ملي جفونهم، وسهر هو ومن خالفهم واختصموا.