وأجاب عن هذا بأن المعممين والقائلين بالقياس ليسوا كل الأمة، وفي الأمة من ينكر القياس أصلا، وفيهم جماعة ينكرون العموم، والحجة في قول جميع الأمة لا في قول بعضها. وأجاب أيضا بأنه قد سبق سابقون إلى رد القياس، وآخرون إلى رد العموم، فإذا وقف القاضي عنهما، وعن هذا، فقد ضاهى في كل واحد من النوعين الذاهبين فيه إلى ما ذهب، ولا يضر مع موافقته لهم في ذلك النوع مخالفته إياهم في التوقف الآخر، لأن الآخر قد وافق أيضا فيه آخرين.
وهذا يذكر في مسائل الاجتماع إن شاء الله، إذا تكلمنا على تركيب المذاهب، وتفرقة الفقيه بين جوابي مسألتين، قال من قبله بالمساواة بينهما، ولكن الناس في ذلك على قولين مختلفين.
وذكر أبو المعالي أن خبر الواحد إذا عرض قياس يخالفه، فإنه يجري فيه ما تقدم من المذاهب التي ذكرها، وأنت إذا نظرت في سبب الخلاف الذي أبديناه في هذه المسائل علمت ما يتصور من الخلاف وما لا يتصور، وفي هذا القدر كفاية.
[فصل في حمل المطلق على المقيد]
هذه المسألة الكلام فيها من ثلاثة أوجه:
- أحدهما: إيضاح مواقع الخلاف، فإنه يستبين بتقسيم اختلفت الأمة في العبارة عنه:
- فمن قائل: إن الموجِب والموجَب إذا اختلفا ارتفع الخلاف في هذه المسألة، ولم يرد مطلق إلى مقيد.
- وإن اتحاد الموجِب والموجَب وجب رد المطلق إلى المقيد، وارتفع الخلاف في ذلك.
- وإن اختلف الموجِب وتساوى الموجَب، فهاهنا وقع الخلاف بين الأصوليين، هل يجب رد المطلق إلى المقيد أم لا؟
ومن الناس من يعبر عن هذا المعنى بأن يقول: إن اختلف الحكمان اختلافا متباينا لم يختلف العلماء في أنه لا يرد مطلق أحدهما إلى تقييد الآخر، وإن اتحد الحكم فلا خلاف في رد مطلقة إلى مقيده، وإن تعدد ولكنه متناسب فهاهنا يختلف الأصوليون هل يرد المطلق إلى المقيد أم لا؟