وأما الوجه الثاني وهو تمثيل محل الخلاف فإن مثال محل الخلاف العتق في كفارة الظهار، فإن الله سبحانه وتعالى قال في المظاهر:(فتحرير رقبة) ولم يشترط كونها مؤمنة، ولا قيد ذكرها بذلك، بل أوردها إيرادا مطلقا، غير مقيد بنعت ولا صفة، وقال في كفارة القتل:(فتحرير رقبة مؤمنة)، فلم يطلق الرقبة بل نعتها ووصفها، وقيدها بالإيمان.
فقال مالك والشافعي: لابد من مراعاة الإيمان في الرقبة في الظهار ردًا لمطلق آية الظهار إلى مقيد كفارة القتل. وقال أبو حنيفة: بل تجري في الظهار عتق رقبة كافرة، أخذا بإطلاق آية الظهار، ومنعا من ردها لآية القتل، وبهذه المسألة يمثل سائر الأصوليين محل الخلاف.
وقد مثله أيضا جماعة منهم باللفظ الوارد في التيمم، واللفظ الوارد في الوضوء، إذ يقول تعالى في الوضوء:(وأيديكم إلى المرافق)، فقيد ذكر اليد بالمرفق، وقال في التييمم:(وأيديكم منه) فأطلق ذكر اليد في التيمم، ولم يقيده بالمرفق.
فاختلف هل يجب على المتيمم أن يبلغ في مسح يده بالتراب إلى المرافق، ردًا إلى التقييد في غسل يديه بالماء إلى المرافق أو لا يجب ذلك عليه؟ لأجل أن الرد لا يجب.
وهذا المثال الثاني أنكره بعض الأصوليين، وأشار الشيخ أبو بكر الأبهري إلى إنكاره، ورأى أن التمثيل (ص ١٣٨) الصحيح إنما يتصور في المسألة الأولى، وهي اشتراط الإيمان في عتق المظاهر، لأن هذا إنما فيه زيادة صفة في الرقبة، وأما الرقبة ففي الكفارتين متساوية. وفي التيمم فيه زيادة عضو وهو الذراع، وزيادة الذوات والأجرام بخلاف زيادة الصفة والنعوت.
وهذا الذي أشار إليه يصير كمذهب ثالث في رد المتناسب، فقوم يطلقون القول برده، وقوم يطلقون القول بالمنع من رده، والأبهري لا يطلق القول، بل يسلم الرد إذا وقع بزيادة صفة، وينكره إذا وقع بزيادة ذات مستقلة بنفسها، وهاتان المسالتان تحققنا فيهما ما قلناه على إحدى العبارتين، وهي اختلاف الموجب وتساوي صنف الموجب، لأن الظهار غير القتل، ولكن العتق في الظهار من صنف العتق في القتل، والقتل والظهار موجِبان، والعتق فيهما موجَب.