وهكذا على العبارة الأخرى وهي مراعاة التناسب والتلاقي، وذلك أن بين الرقبة في الظهار، والرقبة في القتل تناسب، لأنهما جميعا عتقان، كفارتان على معصيتين، وهذا تناسب لا شك فيه، وعلى هذه العبارة الثانية يصح التمثيل في التيمم والوضوء، لأنهما جميعا طهارتان واجبتان عن حدث، وتستباح بهما الصلاة.
وأما العبارة الأخرى وهي اختلاف الموجِب وتساوي الموجَب فتصورها في هذا يبعد، إلا على تحيل، وذلك أن الحدث الناقص للطهارة هو الموجب لها، والموجَب عنها الطهارة، ونواقض طهارة الماء وطهارة التراب يستويان في الأكثر إلا في صورة نادرة كطريان الماء، أو دخول وقت صلاة ثانية، فهاهنا تتصور العبارة الأخرى، وهي اختلاف الموجِب وتساوي الموجَب.
وأما تمثيل ما أدى التقسيم إلى ذكره مما اتفق عليه، وهو ما يجب رد مطلقه إلى مقيده، فلا يكاد يوجد في القرآن، فلهذا مثله أهل الأصول بما لم يوجد، مثاله أن يأمر الله سبحانه في القرآن بعتق رقبة مطلقة في كفارة القتل، ويأمر بعتقها بشرط الإيمان في آية أخرى، فهذا حكم واحد أطلق وقيد، فيرد مطلقه إلى مقيده باتفاق، وهذا التمثيل لم يوجد، فلا معنى لذكره.
لكن قد يضرب بهذا القسم مثال ورد في القرآن، وهو قوله تعالى:(لئن اشركت ليحبطن عملك)، فأطلق الإحباط، وعلقه بنفس الردة، ولم يشترط المواقاة عليه، وقال في آية أخرى:(ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم)، فقيد الردة في هذه الآية بالموت عليها والموافاة على الكفر، فوجب رد الآية المطلقة إليها، وألا يقضي بإحباط الأجور والأعمال إلا بشرط الموافاة عليها.
وهذا تمثيل صحيح من جهة أن الردة المذكورة في الآيتين معنى واحد، وكذلك الإحباط المذكور في الآيتين أيضا المراد به معنى واحد، لكن إنما يبقى النظر من جهة ثانية، وهو أن قوله تعالى:(لئن اشركت) خطاب خاص، وقوله:(من يرتدد منكم عن دينه) خطاب عام، فمن هذه الجهة يفترقان، إذا قلنا: إن الخاص عن العام. وأما إذا قلنا إن المراد بخطاب النبي عليه السلام بهذا من سواه من أمته، ومعنى قوله: لئن أشركت أمتك، إنه يرتفع هذا الاعتراض ويتحقق التمثيل.
وإن شئت عدلت لأجل هذا الاعتراض عن هذه الآية إلى آية أخرى عامة، وهي قوله تعالى:(ومن يكفر الإيمان فقد حبط عمله)، وهذا عام ورد مطلقا، كما أن المقيد عام