أيضا، وهو قوله:(من يرتدد منكم عن دينه)، والآيتان جميعا وردتا بحرف "من" المقتضية للاستيعاب، وقوله:(فقد حبط عمله) قد يشير إلى أن المراد كفر من آمن حتى يتحقق فيه حقيقة الإحباط.
وأما ما أدى إليه التقسيم أيضًا وهو القسم الثالث المتفق على أنه لا يرد مطلقه إلى مقيده، فإن الأصوليين مروا فيه على التمثيل باشتراط العدالة المذكورة في قوله تعالى:(وأشهدوا ذوي عدل منكم) فقالوا: لا يلزم اشتراط العدالة في عتق الرقبة الواردة في كفارة القتل، وإن كان شرط فيها الإيمان، لكون التعبد بالعتق غير مناسب للتعبد بالشهادة.
ومثل بعضهم هذا القسم بما ورد من اشتراط التتابع في صيام الشهرين المذكورين في كفارة الظهار، ولم يوجب هذا التقييد بالتتابع في الصيام التتابع في الإطعام في الظهار، بل يجب عليه إطعام ستين مسكينا وجوبا مطلقا، إن شاء تابع وإن شاء فرق، ويجب عليه صيام ستين يوما وجوبا متتابعا لأجل (ص ١٣٩) التقييد.
وهذا المثال الثاني قد يهجس في النفس إلحاقه بالقسم المختلف فيه، لأنا ذكرنا أن إحدى العبارتين عن هذا القسم اعتبار اختلاف الموجب وتساوي الموجب، وهذا بالعكس منه لأجل أن الموجَب وهو الإطعام والصيام مختلفان، والموجِب واحد وهو الظهار، وهذا وإن هجس في النفس أنه يعد من قبيل المختلف [فيه] فإن الدليل قد قام على أن التتابع غير واجب في الإطعام، وأيضًا فالإطعام والصيام لم يشتركا في لفظ حتى ينظر إلى عموم أحد اللفظين وخصوص الآخر، ويرد هذا إلى هذا، بخلاف الرقبة العامة في آية، الخاصة في آية أخرى.
وهذا أحد الأجوبة، فمن اعترض فقال: هلا وجب الإطعام في كفارة القتل، كما وجب ذلك في كفارة الظهار رد مطلق هذه الآية وهي كفارة القتل إلى مقيد آية الظهار التي قيدت بذكر الإطعام؟
وعن هذه ثلاثة أجوبة:
- أحدها: ما قلناه، وهو أن الرقبة ذكرت في الآيتين فحسن النظر في رد العام إلى الخاص فيهما، والطعام لم يذكر إلا في إحدى الآيتين، فلم يجب إثباته في الأخرى.
- والجواب الثاني: أن هذا فيه إثبات زيادة ذوات مستقلة بأنفسها، فكان بخلاف الزيادة في الصفات، وقد تقدم ذكر هذا عن الأبهري.
- والجواب الثالث: ذكره بعض الناس وهو أن هذا الاعتراض لازم، ولكن دل الدليل