للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن لا إطعام في كفارة القتل، فخرجنا عن الأصل من رد المطلق في مثل هذا إلى المقيد بالدليل. وهو جواب من لم يتفطن إلى الفروق التي قدمناها في أجوبة غيره، أو قدرها فروقا ضعيفة، وهذه معان إنما يحسن بسطها في كتب الفقه.

وأما الوجه الثالث وهو سبب الخلاف فإن المعتمد فيه على النظر في الزيادة على النص، هل يكون نسخا أم لا؟ كما سيرد بيانه في كتاب النسخ إن شاء الله. فمن قدر التقييد هاهنا زيادة على الآية المطلقة، والزيادة لها حقيقة النسخ لم يرد المطلق إلى المقيد، لأن الرد عند جمهور المحققين القائلين به إنما وجب لأجل قياس معنوي، والنسخ لا يكون بالأقيسة ولا بأمثالها مما يقتضي الظنون كأخبار الآحاد. ومن لم ير الزيادة على الإطلاق نسخا، ورآها بيانا وتخصيصا حسن عنده رد المطلق إلى المقيد، لأجل أن التخصيص يكون بما يقتضي الظن على ما قدمناه في بابه، إذ تكلمنا على التخصيص بخبر واحد والتخصيص بالقياس، أو الوقف بين القياس وما قابله من العموم.

فقدر أبو حنيفة الزيادة نسخا، إذا كان لها ارتباط بالمزيد عليه، وتأثير في مقتضى إطلاقه، كالحال في الرقبة في كفارة القتل، فإنها قيدت بالإيمان، وإذا اشترطنا في رقبة الظهار الإيمان، وقد اقتضى الإطلاق سقوط اعتبار الإيمان صار بذلك كالنسخ للإطلاق، فلا يقبل فيه إلا القواطع.

ورأى الآخرون أن دلالة الإطلاق على الأجزاء دلالة الظواهر على متضمناتها، وليست كدلالة النصوص، إذ لا يمكن أحد أن يدعي أن قوله تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا) نص في إجزاء الكفارة، بل يحتمل أن يراد به الرقبة المؤمنة، فإذا لم يكن نصا، وإنما اقتضى الإجزاء اقتضاء الظواهر صح تخصيصه بالقياس، والتخصيص يكون على نوعين، إما بالقصر على بعض المسميات من غير تمييز لما قصر اللفظ عليه من غيره، كما يقول الشافعي في أن الزكاة لا تجزي حتى يعطاها أقل الجمع من الفقراء والمساكين، مع بقية الأصناف، على ما عرف من مذهبه في كتاب الزكاة، ولكن الثلاثة المساكين الذين هم أقل الجمع غير متميزين عن سائر المساكين.

وإما أن يكون التخصيص بتمييز المقتصر عليه على ما سواه بصفة، كتخصيص الرهبان من قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين)، والرهبان متميزون بصفة عن غيرهم من المشركين، فلا مستنكر في تخصيص إطلاق آية الظهار بصفة استفيدت من آية القتل، وهذا واضح.

وقد نوقض أبو حنيفة في الأصل الذي ركبه، بأنه اشترط في إعطاء ذوي القربى أن

<<  <   >  >>