يكونوا فقراء، والقرآن ورد بإعطائهم مطلقا من غير تقييد، وقد قيد أبو حنيفة هذا المطلق بغير دليل قاطع، وخرج به عما أصل في أحكام النسخ.
ونوقض أيضا في المسألة بعينها التي مثلنا بها، وذلك أنه يجزئ عنده عتق الأقطع، ولا يجزئ عتق الأخرس، فإن كان الأخرس لا يجزئ لأجل أنه لا يسمى رقبة، لأجل عيبه، فيجب أن لا يجزئ الأقطع لأجل عيبه أيضا، على أنه لا يصح بالدعوى أن المعيب لا يسمى رقبة، فما بال الأخرس لا يجزئ عنده؟ (ص ١٤٠) مع كونه يسمى رقبة، ومع كون إطلاق الآية يقتضي جوازه، فبماذا إذا أثبت هذه الزيادة على الآية؟ وقد يحاج عليها بما أمليناه في الفقهيات.
وأشار أبو المعالي في رد المطلق على المقيد إلى طريقه المعهودة، وهو اختيارنا في مواضع أمليناها في هذا الكتاب، وهي الموازنة بين التقييد والإطلاق، فأيهما رجح في مسالك الظنون قضى به وغلب على صاحبه، فقد تضعف دلالة الإطلاق، وتقوى دلالة التقييد على الإشعار باشتراط الصفة التي قيد بها.
وقد يكون الأمر بالعكس، ألا ترى أن إشعار آية الظهار بإجزاء عتق الكفارة ضعيف، لأجل أن الآية إنما سيقت مساق البيان لأجناس الكفارة، لا بيان تفاصيلها وأحكامها، فتفاصيل أحكامها غير مقصودة فيها، وما ليس بمقصود في الخطاب لا يرتبط به الخاطر ارتباطه بمقصود المخاطب. وسيأتي بسط هذا وأمثاله في كتاب التأويلات إن شاء الله.
وتنبه هاهنا إلى عبارة تقع للأصوليين من هذا الباب، وهي قولهم: الزيادة على النص لا تكون نسخا، فإن هذه العبارة إنما يستحق معناها إذا سمينا الظواهر نصوصا كما حكيناه في بابها عمن ذهب إلى ذلك، فتحسن العبارة على رأي هؤلاء. وأما إن قلنا: إن الظواهر لا تسمى نصا، فهذه العبارة فيها درك، لأن تعتبر النصوص التي لا احتمال فيها نسخا على ما سيرد بسطه، وبيانه في كتاب النسخ إن شاء الله.
وقد ذكر أن جمهور رادي المطلق إلى المقيد يذهبون إلى أن الرد بقياس معنوي [ممكن]، وقد ذهب إلى أنه بحكم اللغة ومقتضى الألفاظ، وزعم هؤلاء أن العرب إذا قيدت، فإنها تستخف الإطلاق اكتفاء بالتقييد، وطلبا للإيجاز والاختصار على ما عرف من عاداتها في لسانها، وقد قال تعالى:(عن اليمين وعن الشمال قعيد)، والمراد عن اليمين قعيد، ولكن حذف بدلالة الثاني عليه، وهكذا قوله تعالى:(والله ورسوله أحق أن يرضوه)