حتى يقولوا: لا إله إلا الله ... "، هل المقصود بيان الأمر بالقتال، وما بعده في حكم التبع، أو المقصود ما بعد حرف الغاية، والأولى في حكم الوصلة؟
والمسألة عندي لا تصفو جارية على الأسلوب من النظر إلا بعد أن تحقق أحكام هذه العلل، والنظر في الكيل (ص ١٨٦) والوزن؛ هل ينوب أحدهما عن الآخر في أحكام الربا إذا تعذر الآخر؟ وهل يراعى الوزن في التمر في بلاد اعتادوا وزنه، أو الكيل؟ وهكذا البر. وإنما أشرنا إلى هذا لأن ما امتنع كيله لا يمتنع وزنه، هذا أيضا ولابد لكل مبيع أن يكون مقدرا، ولا بُعْدَ في اتخاذ معيار لذلك المقدار يصطلح عليه وإن قل، ولا يمتري أحد في إمكان اتخاذ ميكال بقدر الحفنة، حتى يلحق بما اعتيد كيله، وهذا كله إنما ينظر فيه الفقيه، وبسطه إنما يحسن في كتب الفقه.
[فصل يشمل المعنى الكلي المحيط بجميع ما تقدم في كتاب التأويل]
اعلم أنا كنا قدمنا في مواضع تنبيهات، إن انتبهت إليها أغنتك عن مطالعة هذا الفصل، فمن ذلك أنا كنا قدمنا أن المطلوب في أكثر الفقيهات الظنون، والتطرق إليها من جهات لا تكاد تنحصر، ولكن هذه الجهات يعرض فيها التنافر والتعارض، فيحصل في النفس عند النظر فيها خواطر تتدافع أيضا وتتنافر، فإذا عرض للفقيه هذا، وقد علم أن المطلوب حصول غلبة الظن، فإنه يجب أن يستعمل ميزانا من فكرة يزن به بين الظنين المتدافعين فمهما رجح عنده قدمه.
فإذ ورد عن النبي عليه السلام لفظ، وكان نصا لا احتمال فيه فلا شك، أنه لا يدفعه ظن يناقضه من جهة تأويل له، لأن التأويل إنما يكون لأمر محتمل، ويعضد المتأول تأويله المحتمل بعاضد، والنص لا احتمال فيه فيؤول، فانحصر الأمر إلى أن التأويل إنما يكون في الظواهر، وقد تقدم معنى الظاهر وحقيقته، فإذا تأول المتأول الكلام على معنى أخرج الكلام عن إفادته الظاهرة فيه، فإن ذلك لا يسمع منه بمجرد دعواه، فإن استدل عليه نظرنا في الدليل عليه، ومقدار ما أفاد من الظن بصحته، ووازنا بينه وبين الظن المستفاد من الظاهر السابق إلى النفس من جهة اللفظ، أن النبي عليه السلام أراده، فإن كان الظن المستفاد من ناحية اللفظ وظاهره أقوى وأغلب في النفس وجب العمل به، وإن كان النظر الآخر الذي أبداه المتأول أقوى وأغلب رجع إليه، وإن تقابلا وتوازنا حكم فيهما بأحكام ما يتعارض، وسيرد حكم التعارض.
وقد قدمنا نحن ما يقال في هذا إذا تعارض، وذكرنا أن الخروج عن الظاهر بقياس