للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدها في حكم التبع الوارد لتخصيص الجمل والتحرز فيها، فشبيه ذلك ما يزيده القايس من تقييد في العلة ليتحرز من النقض، ومقصوده مع ذلك في التعليل ما سوى هذا اللفظ المزيد، فكذلك قوله: "لا تبيعوا البر بالبر إلا كيلا بكيل"، المقصود تعليم التحريم، ثم يستثنى منه ما يحل على جهة التبعية للفظ، وليس المقصود تعليم التحليل، والمحرم ذكر كالوصلة كما قال أبو حنيفة.

وإذا ثبت أن الجملة الأولى هي المقصودة، صح التعلق بعمومها، ومنع أبو حنيفة من تخصيص هذا العموم بتعليل يستنبطه منه، وتصير هذه الجملة كقوله عليه السلام: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان ... " الحديث، فالمقصود الجملة الأولى، وهي تعليم تحريم الدماء، والذي استثنى من هذه الجملة في حكم التبع الوارد لتحصينها وتقييدها، فهذا موضع التنازع ومنشؤه.

وتلخيصه: هل الجملة الأولى مقصودة والغرض تعليم التحريم، حتى يمنع أبو حنيفة من تخصيص المقصود بعلة مستنبطة منه، [أو] المقصود الجملة الثانية؟ حتى لا يحتج على أبي حنيفة بعموم الأولى.

ويمكن عندي أن يظن ظان بهذا الحديث مذهبا ثالثا غير ما قاله هؤلاء، وهو كون الجملتين جميعا مقصودتين، وقصد الشارع بيان ما يحل ويحرم معا في التبايع بالبر بعضه ببعض. ولا شك أنه ربما وردت جمل كلها مقصودة، ومثل هذا القسم بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، فإن الجملتين جميعا مقصودتان، والقصد تعليم التحليل في البيع والتحريم في الربا.

ولكن هذا المثال ناء عما كنا فيه، لأن هاتين جملتان لا تفتقر إحداهما إلى الأخرى، مثل ما مثلنا به فيما المقصود آخره، وهو قوله: "لا صلاة إلى بطهور"، وما المقصود أوله كقوله: "لا يحل دم المرئ مسلم ... " الحديث، فلابد أن يوضح الصحيح من هذه الآراء، هل المقصود في الحديث الذي تكلمنا عليه الجملة الأولى وهي منع التبايع في البر بالبر، أو الأخيرة، أو المقصود مذهب ثالث وهو اعتقاد قصد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تعليم التحليل والتحريم جميعا، ويكثر الشكل من هذا النوع، ومنه قوله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس

<<  <   >  >>