تعسفا، حتى يكاد يحسن معه القطع على الوجوب، فإن نزل عن هذا قليلا، فلا أقل من إيجاد هذه الأوامر ظواهر.
ومن قال بالندب، يرى أن تحريم الترك لم يتضمنه الأمر، فاقتضى ذلك الندب. فيقال له: ولا تضمن الإباحة الترك، وكذلك إن تمسك بأن الندب متيقن، الوجوب مشكوك فيه، فيتمسك باليقين، لأن الشك في الترك تشوف إلى الوقف، وعمدة الواقفية أنهم ليس عليهم مطالبة بالدليل، كما صورناه أولا، ويجعلون الدليل في جانب مخالفهم، وينكرون وجود دليل (ص ٧٧) ينقلهم عما هم عليه، من لغة، لعدم التواتر في النقل عن أهلها في هذا، وعدم الاستقرار من قولهم ومن شرع، لأن ما أوردناه، وأضربنا عن إيراده، من القرائن والأخبار متأول عندهم، محمول على أوامر علم وجوبها بقرينة حالية، أو مقالية، وما ذكرناه نحن في هذه الظواهر، ونبهنا عليه في تأويلاتهم فيه جواب عن هذا، يبين الحق في المسألة إن شاء الله عز وجل.
[فصل في اختلاف النظار في حمل الأمر المطلق على التكرار]
الأكثر من الفقهاء على حمل الأمر المطلق على فعل مرة واحدة، فإذا قال الآمر لغيره: تصدق، فتصدق مرة واحدة فقد برئ من عهده الأمر.
واختلف أصحابنا في هذه المسألة:
فالذي ينصره القاضي عبد الوهاب أنه يحمل على مرة واحدة.
وقد اختلف من تكلم من أصحابنا على هذه المسألة، ما مقتضى مذهب مالك؟
فذهب بعضهم إلى أن مقتضى مذهبه حمل الأمر على مرة واحدة، واستقرأوا ذلك من لفظ وقع في أول كتاب الوضوء من المدونة، لما سئل ابن القاسم عن التوقيت في الوضوء فأجاب بما أجاب، واستدل على نفي التكرار بمجرد قوله:(وجوهكم)، فلولا أن مذهبه حمل الأمر المطلق على مرة واحدة لم يحسن الاستدلال بهذه الآية، على أن الواجب في الوضوء غسلة واحدة مستوعبة للعضو.
وأشار ابن خويز منداد إلى أن مقتضى مذهبه التكرار تعلقا منه بقوله: إن المتيمم يتيمم لكل صلاة، ولكنه مع هذا تردد في الاستقراء عنه، قال: وقد قال في التمليك إنه لا يجب