وهذا القاضي أبو بكر بن الطيب رأس الواقفية استدل على صحة القول بالقياس بهذا النوع من الاستدلال، وقال: من تتبع أقوال الصحابة ألفاها دالة على استعمالهم القياس، وهم بين مستعمل له، ومسلم لاستعماله، وهذا هكذا الذي نحن فيه، ولا معنى لقوله في كل ما نقل، لعلهم صاروا إلى ما صاروا إليه بقرائن، لأن هذا وإن أمكن فهو بعيد، مع كثرة المنقول عنهم، واختلاف الأقوال والأزمان، والأحوال، فالظاهر في هذا خلاف ما قال، وتأول.
وهذا الجواب لمن قال إن الأقيسة التي وقعت منهم، لم يعلموا بمجردها، بل لأمور ضامتها، لأن هذا مما أنكره القاضي أبو بكر على متأوله، لا سيما وقد اعتمد أصحاب الوجوب على آي، وأخبار من ذلك قوله تعالى:(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم) إلى توبيخه لإبليس، وقوله:(ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) فوبخه على مخالفة الأمر، ولم يقل إذ أمرتك واجبا، بل ذكر أنه سبحانه قال لهم:(اسجدوا) وسمى هذا أمرا، وفيه إثبات الصيغة ثم وبخ إبليس على مخالفة الأمر، وفيه إثبات الوجوب، وذكر تعالى عن الملائكة بدارهم امتثال السجود، من غير توقف، وكل هذا يدل عندهم على الوجوب.
وكذلك قوله تعالى:(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) فحذر، وتوعد من مخالفة الأمر ولم يقل الأمر الواجب، إلى غير ذلك من أي، يكثر تعدادها، استدل بها هؤلاء، وهي متفاوتة في القوة والضعف، وأقواها عندي ما تلوته.
وكذلك استدلوا بحديث بريرة، وقد قالت فيها:"أبأمر منك؟ " والظاهر أنها اعتقدت أنه لو أمر لوجب عليها، لأن سؤالك، وشفاعته مندوب إلى قبولها.
وكذلك قوله:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ... "، فمعنى أمرتهم: أوجبت عليهم، لأن الوجوب تتصور المشقة [فيه] إلى غير ذلك مما تعلقوا به، وأظهره ما أوردناه.
ولو اطلعت على كثرة ما استدلوا به، من ظواهر القرآن، والسنن، والآثار كما اطلعنا عليه، لبعد في نفسك تأويل جميع ذلك، على كثرته، ولو رأيت التأويل بجميعه