فأما تخصيص الكتاب بالكتاب فالجمهور على جوازه وصحته، ومن أمثلته عندهم قوله تعالى:(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ)، فلو تركنا عموم هذه الآية لأوبجنا على المطلقة قبل الدخول ثلاثة قروء، ولكن خص هذا العموم بقوله تعالى:(ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها).
وهكذا قوله تعالى:(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، فلو تركنا وعموم هذه الآية لأوجبنا على التي مات زوجها وهي حامل أربعة أشهر وعشرا، لكن خص هذا العموم بقوله تعالى:(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، على بعض الطرائق في أهل هذا المذهبن وقد ذكرناه مبسوطا في الكتاب "المعلم".
ومن هذا قوله تعالى:(والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)، فلو تركنا وهذا العموم لأبحنا وطء الأختين بملك اليمين، ولكن خصصناه بقوله تعالى:(وأن تجمعوا بين الأختين ٩.
وهذا قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، ولو تركنا وعموم هذا لحرمنا نكاح (ص ١٣٥) اليهودية والنصرانية، لكنا خصصنا هذا العموم بقوله:(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم).
وقد ذهب قوم إلى منع تخصيص الكتاب بالكتاب تعويلا منهم على قوله تعالى:(لتبين للناس ما نزل إليهم)، فأشار إلى قصر بيان الكتاب المنزل علينا على [ما] يورده صلى الله عليه وسلم علينا، وهذا لا معول فيه، لأنه ليس بنص إلا بيان يقع بالكتاب، وإنما فيه إثبات بيان من قبل النبي عليه السلام، وهذا لا ينفي البيان من غير جهته، على أن الكل من جهته على وجه، والكل من عند الله سبحانه على وجه آخر، وصحة إضافة الكل إليه على الإطلاق، أو إلى الله سبحانه على الإطلاق يمنع الاستدلال بهذه الآية.