وكذلك تخصيص السنة بالسنة مثل قوله عليه السلام:"لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، خص بقوله عليه السلام:"إذا دبغ الإهاب فقد طهر" على ما بسطنا صفة التخصيص وحكم الإهاب في كتاب "المعلم".
فالجمهور أيضًا على صحة تخصيص السنة بالسنة، ومنعه قوم تعويلا منهم على مثل ما قلناه في منع تخصيص الكتاب بالكتاب، ورأى هؤلاء أيضًا أن قوله:(لتبين للناس ما نزل إليهم) يقتضي كون المبين قرآنا وكون المبين سنة، وقد ذكرنا ما في هذا الاستدلال.
ويكون التخصيص النطقي المنفصل تخصيصا للشيء بخلافه كتخصيص الكتاب بالسنة، وقد أجازه كثير من الأئمة، ومنع قوم أيضا تعويلا على الآية التي ذكرناها [إذا] تقتضي أن المبين إنما يكون سنة، وأما ما نزل إلينا فلا يكون بيانا لغيره، وإنما يكون مبينا.
وأما تخصيص الكتاب بالسنة فإن السنة إذا كانت متواترة، فلا خلاف في تخصيص الكتاب بها، لأنها بيان لما نزل إلينا على حسب ما تضمنته الآية، وهي أيضًا مقطوع على صحتها لأجل تواتر النقل، فلم يقع بيان القطعي إلا بالقطعي.
وأما إن كانت السنة خبر واحد نص فيه على خروج بعض ما تناولته عموم القرآن، فهاهنا اختلف الناس فيه على خمسة أقوال ...
- فجمهور الفقهاء، وهو المذهب المشهور على تخصيص العموم بخبر الواحد.
- ومنعه آخرون.
- وذهب عيسى بن أبان إلى أنه إذا ثبت دليل على تخصيص العموم، صح أن يخصص تخصيصا آخر بالخبر، وأما إن كان العموم لم يدخله تخصيص قط، فإنا لا نفتتح تخصيصه بخبر الواحد، بل نقدم العموم عليه.
- وسلك قوم مسلكه فقالوا: إن خص بدليل متصل لم يخصه بخبر الواحد، وإن كان قد خص بدليل منفصل رددناه تخصيصا آخر بهذا اللفظ الذي نقله الآحاد.
- وذهب القاضي ابن الطيب إلى مساواة خبر الواحد لما قابله من العموم، وإذا تساويا وجب الوقف فيهما.
وسبب هذا الخلاف يدور على نكتة واحدة، وهي الموازنة بين العموم وخبر الواحد، فإذا وزنت بينهما، واستبان قوة أحدهما على الآخر قدمت الراجح، وإن لم يظهر تفاوت