للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في القوة ولا ظهور رجحان، فلا شك هاهنا في إنه ليس أحدهما أولى من الآخر فيجب الوقف بينهما.

فأما الموازنون المرجحون للعموم فيقولون: قد ثبت أن القرآن مقطوع عليه، ومن أنكر كونه قول اله سبحانه فقد كفر، وخبر الواحد من أنكر كونه كلام النبي عليه السلام لم يكفر، لأنه مما يمكن فيه السهو والغلط والكذب، وشتان عند الموازنة بين قول يقيني وقول ظني.

وأما المرجحون للخبر المخصصون به العموم فيقولون: تناول الخبر للحكم تناولا ناصا لا احتمال فيه، وتناول العموم لذلك تناولا غير ناص، بل فيه احتمال، وشتان ما بين النص وبين الاحتمال، ألا ترى أنه سبحانه إذا قال: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، فإن هذا القول مقطوع به أنه من عند الله سبحانه، ولكنه مع قوته بكونه قطعيا يقينيا، يمكن أن يكون الله سبحانه لم يرد به الرهبان، وإنما أراد قتل المشركين الذين ليسوا برهبان، فإذا قال عليه السلام: "لا تقتلوا الرهبان"، فإن قوله هذا ليس بقطعي من ناحية النقل، لجواز أن يكون أحد رواته سها أو غلط، ولكنه مع هذا قوي من جانب أن الرهبان نص على أن لا يقتلوا. ولا يمكن أن يقال: يحتمل أن لا يريد بهذا الخبر قتل الرهبان، فقد صار الحكم وهو قتل الرهبان تناوله الخبر تناولا ناصا، وتناوله العموم تناولا محتملا، والخبر ظني، والعموم قطعي، فلكل جانب وجه من القوة ليس للآخر، فالتفات كل طائفة إلى جانب من هذه (ص ١٣٦) القوة دون الجانب الآخر أوجب ذهابه إلى ما ذهب إليه.

والتفات القاضي رضي الله عنه إلى الجانبين جميعا، وتساوي القوتين في نفسه أوجب وقفه بينهما ونظره في دليل سواهما.

وأما من ذكرنا عنه التفرقة بين ما سبق فيه تخصيص وبين ما لم يسبق، وتفرقة الآخرين التخصيص بالمتصل والمنفصل، فإن ذلك منهم ذهاب إلى أن العموم إذا خص تناول بقية المسميات على جهة الإجمال، وصار مجازا، والمجمل لا يحتج به بل يفتقر إلى بيان، فيكون خبر الواحد بيانا عنه، ويصير خبر الواحد كخبر أتى بحكم مبتدأ، وخبر الواحد إذا جاء بحكم مبتدأ فلا شك في قبوله، وهذه طريقة من فرق بين أن يسبق إليه التخصيص بدليل منفصل أو متصل، لأنه رأى أن التخصيص بالدليل المتصل كالاستثناء لا يصير العموم مجملا ولا مجازا، وإذا لم يصر مجازا لم تسقط الحجة به، لم يقدم عليه الحجة بخبر الواحد.

وقد كنا تكلمنا على هذه المذاهب في باب قبل هذا، واختار أبو المعالي في هذه

<<  <   >  >>