وأما تعارض الفعلين فلا يتصور على الحقيقة، لأن كل فعل يختص بمحله، ويقع في زمنه، والتضادد إنما يتحقق مع تساوي الزمن والمحل، لكنا إن قدرنا تعدي حكم فعله عليه السلام إلينا، صار من ناحية تعدي الحكم إلينا، إما وجوبا أو ندبا، على ما تقدم ذكر الخلاف فيه بتصوير التعارض، ويتنزل الفعل منزلة القول المشتمل على المعاني، فإذا نقل عنه عليه السلام فعلان متعارضان، وقد أخبرناك بمعنى التعارض، ولم يتصور فيهما طرق التأويل، فإن أحدهما يكون ناسخا للآخر، فيطلب التاريخ حتى يعلم الآخر، فيكون هو الناسخ على حسب ما ذكرناه في تعارض القولين، هذا مذهب الجمهور.
ورأى القاضي أن النسخ هاهنا لم تدع إلى المصير إليه ضرورة كما دعت في الأقوال، لأن الفعل مقصور على فاعله ولا يتعداه، وليس كالصيغ المشتملة على معان متضادة، فإذا وجدنا فعلين متعارضين حملناهما على التجويز والإباحة، وقلنا: القصد بيان جواز كل واحد من الفعلين.
وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر عندي، إلا على رأي الذاهبين إلى أن فعله عليه السلام يقتضي الإباحة، وليس القاضي من جملة القائلين بهذا المذهب، بل مذهبه الوقف، فإن كان يقول برأي الصائمين إلى أن فعل النبي عليه السلام يقتضي الجواز صح ما قال. وإن أراد أن ذلك يحمل على جواز الفعلين في حقه صلى الله عليه وسلم خاصة فصحيح ما قال، إذا قلنا: يمنع وقوع صغائر الذنوب من الأنبياء صلوات الله عليهم على طريقة من ذكرنا ذلك عنه، ونبهنا نحن على ما عندنا على ما قاله هؤلاء، وإنا إن قلنا بتجويز ذلك فالأظهر في الأفعال المطلقة حملها على الجواز لكون تكرار المعاصي لا يليق بهم، وإن كانت صغائر.
وأشار أبو المعالي إلى أن المختار ما قاله الفقهاء من الأخذ بآخر الفعلين [تاريخا]، ولكن يمكن أن يكونوا رضي الله عنهم قدموا الآخر تقدمة أولى وأفضل لا تقدمة ناسخ على منسوخ. وأشار أبو المعالي في غضون هذا الباب إلى مسألة فقهية نقل فيها كلام الشافعي، وأراد أن يستنبط منه [أنه] من المائلين إلى الأخذ بآخر الفعلين، فذكر أنه قدم في صلاة الخوف ما وصفه ابن خوات [بن جبير] من "صلاة النبي عليه السلام بالطائفتين" على ما وصفه ابن عمر، لما كانت رواية ابن خوات مؤخرة، فإنها صلاة غزوة ذات الرقاع، ورواية ابن عمر في غزاة غيرها، فقدر أنها سابقة لما رواه ابن خوات في رواية ابن خوات: إذا كانت هي الآخرة يجب أن تتبع. أو يكون الشافعي إنما قدم رواية [ابن] خوات لضرب من الترجيح.
وهذه الرموز التي رمز إليها مبسوطة في كتب الفقهاء، لكن قوله: لما كانت رواية