للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صالح بن خوات مؤرخة ذات الرقاع، ورواية ابن عمر في غزوة غيرها، قدرت رواية ابن عمر متقدمة على هذا التاريخ. هذا فيه نظر، ويمكن أن يقال: بل رواية ابن عمر كانت رواية ابن عمر (ص ١٦١) مؤرخة بتاريخ يسبق ذات الرقاع. ولهذا عطف أبو المعالي فقال كالمستدرك لما تعقبناه عليه، أو يكون سلك مسلك الترجيح، والترجيح الذي أشار إليه هو أن رواية ابن خوات تضمنت أن الطائفة الأولى يصلي بهم الإمام ركعة، فإذا قام إلى الثانية قاموا فصلوا الركعة الثانية أفذاذا وسلموا، وانصرفوا وبقى الإمام قائما في الركعة الثانية حتى تأتي الطائفة الثانية فتحرم وتصلي معه هذه الركعة الثانية، ثم تقضي الركعة الفائتة أفذاذا، وهذه الرواية حصل فيها اجتناب المشي في الصلاة والعمل الكبيرة المجانب لخضوع الصلاة وما شرط فيها من السكون، وهذه طريق من الترجيح، لكنها إنما فيها كون المأمومين يصلون بقية الصلاة والإمام لم يفرغ. هذا في حق الطائفة الأولى، وفي حق الطائفة الثانية فيها القضاء قدر خروج الإمام من الصلاة على أحد قولي مالك في المدونة أن الطائفة الثانية تقوم للقضاء، إذا تشهد الإمام، وينتظرهم حتى يقضوا الركعة السابقة فيسلمون، والقضاء قبل فراغ الإمام من الصلاة خلاف الأصول.

فأنت ترى هذه الرواية كيف خالفت الأصول من جهة صلاة المأمومين وقضائهم قبل فراغ إمامهم، ووافقت الأصول من جهة اجتناب العمل الكثير في الصلاة.

كما أن رواية ابن عمر أيضا وافقت الأصول من جهة، وخالفتها من جهة أخرى، وذلك أن في رواية ابن عمر أن الطائفة الأولى لما صلت مع الإمام ركعة مضوا لجهة العدو، وانصرف أصحابهم إلى الإمام ليصلوا معه الثانية، والطائفة الأولى قد انصرفت إلى مصافة العدو، والمشي إلى مكان العدو ومقابلته عمل كثير في الصلاة، وهذا خلاف الأصول، لكنه وافق الأصول من جهة أخرى، وهو أ، هم سلموا من قضاء الصلاة، والإمام لم يفرغ، فأنت ترى كل واحد من الروايتين كيف وقعت في موافقة أصول الشريعة من جانب ومخالفتها من جانب.

وأبو المعالي إنما أشار إلى الترجيح من جهة وهي التحفظ من العمل الكثير في الصلاة على ما بيناه نحن، ولكن في قبالة التحفظ عن أصل تضييع أصل آخر، وهذا جائز في الروايتين جميعا، وإنما يبقى بعد هذه الموازنة ما بين كل جهة من هذه الجهات وما قابلها، وهذا يدق وليس من شغل الأصولي، نعم، ولا هذا الذي أوردناه من شغله أيضا، وإنما ذكرناه هاهنا، وإن كنا أمليناه مبسطوا كما يجب مستقصى كل ما يتعلق به في كتابنا المترجم بشرح التلقين.

<<  <   >  >>