للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالأصل، وانهدام الأصل يهدم الفرع، وأضاف القاضي هذا المذهب إلى الشافعي في هذا الوجه، وحمل إطلاق قوله بالقبول على أن الشيخ متشكك فيما قاله التلميذ.

ورأى أبو المعالي أن قطع الشيخ بكذ التلميذ لا يوجب الرد على الإطلاق، لكنه يتنزل منزلة خبرين تعارضا على التناقض، فيستعمل الترجيح بينهما بزيادة العدالة، أو بغير ذلك من وجوه الترجيح، أو يفقد الترجيح بينهما، فيؤدي ذلك إلى سقوط الخبر.

وبعض المصنفين يشير إلى إخراج هذا عن أحكام التعراض في الأخبار، لأن الخبرين المتعارضين إذا رواهما رجلان فليس أحدهما فرعا للآخر، ولابد له منه، فيسقط الفرع بسقوط الأصل، وهاهنا التلميذ فرع لشيخه، وسقوط الأصل مسقط للفرع.

وقد أشار القاضي أبو محمد عبد الوهاب إلى أن هذا كالتجريح من التلميذ لأستاذه، وإذا جرح الراوي من روى عنه سقطت الرواية، ولكن ألزم على هذا أن لا يعمل التلميذ بشيء من رواية هذا الشيخ في هذا الحديث ولا في غيره. وغيره من المحققين يأبى كون هذا تجريحا، لجواز أن يكون الشيخ والتلميذ لم يعتقد كل واحد منهما في صاحبه أنه تعمد البهتان والمكابرة، ولكنه غلط فيما تصمم عليه، والغلط لا يجرح به، ولعل القاضي عبد الوهاب إنما أشار إلى التجريح إذا اعتقد التلميذ أن شيخه تعمد الكذب والمكابرة.

وقد عول الرادون لخبر أنكره الشيخ على تلميذه على القياس على الشهادة، وأنكر الشافعي هذا القياس، ورأى أن الشهادة تعبدنا فيها بعبادات لم نتعبد في الأخبار بمثلها، ولهذا يقبل خبر المرأة والعبد، ولا تقبل شهادتهما على الإطلاق، واحتج بأن الراوي لو روى في أثناء خصومته حديثا يؤدي إلى القضاء على خصمه [أو] إلى جر منفعة إلى ولده، أو والده، لم يرد خبره لأجل هذه التهمة، بخلاف الشهادة التي ترد للتهمة. وأيضا فإن نقل الشهادة لا يصح مع حضور المنقول عنهم، وإمكان تلقي الشهادة منهم شفاها، لأن تواريهم عن القاضي ريبة، بخلاف الخبر فإنه يصح النقل فيه، ويسمع خبر التلميذ ويعمل به مع إمكان مطالعة شيخه وتلقي الحديث عنه.

وأشار الشافعي إلى القطع بأن الصحابة كانوا يروي بعضهم لبعض عن النبي عليه السلام، فيقبلون ذلك ولا يلتزمون على الطرد مراجعة النبي عليه السلام مع الإمكان، وهذا كله يشعر بمخالفة أحكام الأخبار أحكام الشهادات، فلا يقاس أحدهما على الآخر.

وهذا الذي ذكره الشافعي من رواية راوٍ حديثا في أثناء خصومة يجر به لنفسه منفعة يسلم له إن حكى ذلك عن قديم الزمان وصدر الإسلام، حيث كانت العدالة بارزة، وأكثر الأحاديث والأحكام خية غير ظاهرة، وأما الآن مع خفاء العدالة (ص ٢٣٧) وظهور الأحاديث وضبطها بالدواوين، والكتب، والروايات فلنا فيه نظر، وصرفه إلى الاجتهاد الذي

<<  <   >  >>