وأما ما ذكره من إمكان مطالعة الشيخ مع الإضراب عنها، فقد ذكر ابن خويز منداد مسألة أفردها فقال: إن الناس اختلفوا في رجل روي له عن النبي عليه السلام حديث، ثم قدم عليه صلى الله عليه وسلم، هل يلزمه العمل بهذا الحديث أو يلزمه سؤال النبي عليه السلام حتى يسمعه شفاها منه. قال: وهذه مسألة تكلفها الأصوليون، وتركها أفضل من ذكرها، لأن الآن في غنى عنها.
واحتج القائلون بمطالعة النبي عليه السلام أن مطالعته إذا أمكنت انتقال من الظن إلى اليقين، ومن تطلب الحكم بالاجتهاد ثم عثر على النص وجب عليه أن يرجع إليه، فينتقل من ظن إلى يقين، وهكذا القبلة يجتهد فيها عند الالتباس، فإذا أمكنت المعاينة وجب الرجوع إليها.
وقال آخرون: لا تجب مطالعة النبي عليه السلام، وقد رد عليه من نقل خبره إليه ولم ينقل عنه أنه طالعه، وتطلب السماع منه، وهكذا كان شأن الصحابة. فقيل لهؤلاء: قد قال بعضهم لما ورد عليه: إن رسولك أمرنا بصلاة ... الحديث، ولم ينكر عليه أن يستثبت الخبر منه ويطالعه عليه، وهذا لا يعترض به على هؤلاء، لأنهم لا يمنعون جواز الاستظهار باسماع من النبي عليه السلام، ولكنهم ينازعون في وجوب هذا.
وقد أبعد ابن خويز منداد النجعة وأغرب في العرض فقال: إن حديث ذي اليدين يشهد بصحة العمل بالحديث الذي ينظره الشيخ الذي روى عنه، ألا ترى "أن النبي عليه السلام لما أخبره ذو اليدين بأنه لم يكمل الصلاة خالفه عليه السلام فيما قال: وقال له: ما قصرت ولا نسيت"، حتى سأل أبا بكر وعمر فأعلماه فرجع إلى قولهما لما أخبراه بأنه فعل شيئا، وهو ناس للفعل الذي أخبراه به. فكذلك الشيخ يجب أن يرجع إلى تلميذه، ويحدث به عنه كما كان سهيل يقول: حدثني ربيعه عني أن النبي عليه السلام "قضى بالشاهد واليمين"، وهذا الذي قاله قد تقدمت إشارتنا إلى القدح فيه حيث قلنا: لا تقاس الأخبار على الشهادات، لكون الشهدات انفردت بمزيد تعبد. فكذلك نقول الآن لابن خويز منداد: الصلوات فيها من العبادات ما اختصت بها، ولم يوجد في غيرها، فلا تقاس الأخبار عليها. هذا ومن الممكن أن يكون النبي عليه السلام ذكر أنه لم يكمل الصلاة لما أخبره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويمكن أيضا أن يكون أحدث له خبرهما شكا، فرجع إلى الأصل في