للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإجازة، فقال: الظاهر من مذهب مالك أنه يكره الرواية بها، وحكى عن قوم المنع، واحتج لهم بأنهم إذا كان لا يجوز للراوي أن يروي عن شيخه قبل أن يجيز له، فكذلك إذا جاز له، لأن إجازته له لا تتيح له أن يفعل ما لم يكن جائزا، وظاهر هذا حكاية الاختلاف في جواز الرواية بالإجازة.

وقد اختلف العلماء في صفة العبارة هاهنا، فمنهم من أباح لمن عول في الرواية على الإجازة أن يقول: حدثني، وأخبرني مطلقا، ومنهم من جوز ذلك حتى يقيده بأن يقول: حدثني أو أخبرني إجازة.

ورأى أبو المعالي أن الأليق بالراوي أن يذكر جهة تلقيه، فيقيد بأن يقول: حدثني إجازة، فإن هذا أرفع للبس، وإن قال ذلك مطلقا من غير تقييد فليس ذلك كذبا محضا، ولكن ليس قوله: حدثني في الإجازة عبارة مرضية لإيهام التحفظ والتصون، وهذا الذي قاله صحيح، ومايكاد من يتورع أن يقع فيه، وكثيرا ما يبعث على هذا الإطلاق ومجانبة التقييد بالإجازة طلب الرئاسة، وارتفاع القدر في أنفس التلامذه ليلحظوه بعين من اشتدت عنايته بالحديث، وتكون ثقتهم به أتم.

والتدليس في الرواية قد تكلم العلماء عليه ونهوا عنه، والدواعي تكثر، وربما كان منها ما نحن فيه إذا قصد [بـ]ـمطلق القول هاهنا الإيهام والتدليس. ومن وجوه التدليس أن يوهم الأستاذ للتلامذة أنه سمع من رجل وهو لم يلقه، وإنما أخذ عمن أخذ عنه، لتشتد رغبتهم فيه وفي السماع منه، لعلو السند، ولو باح لهم بما كتم لزهدوا فيه، وربما كان من روى عنه حاضرا، وهو أقرب إليهم (ص ٢٣٣) منه، وقد اختلف في جواز العمل بالمراسيل كما قدمناه، وقد يكون السامع من هذا لا يرى العمل بالمراسيل، ولكنه يعمل بحديث هذا لتوهمه أنه لا إرسال فيه، وهذا تغرير في الديانات. ومن وجوه التدليس أيضا أن يروي عن رجل مشهور بصناعته أو بلده، أو بغير ذلك من ألقاب المحدثين، فيحذف ما يعرف به ويعدل إلى اسم خفي من أسمائه، حتى يوهم التلامذة أنه غير ما يعرفونه بذلك اللقب الذي كتم، ولو باح لهم بما كتم، لكان لهم ي قبوله والأخذ عنه رأي آخر، وهذا أيضا من التغرير بأهل الديانات.

وقد اختلف الناس في قبول حديث المدلس، فمنهم من قال: إنه وإن كان يكره له ما فعل، فإن حديثه لا يرد، فإنه لم يقع في الكذب الصراح فيجرح به، ومنهم من قال: هذا كالكذب الذي يقدح في العدالة، فلا يقبل حديثه، ولا شك عندي أن هذا يقدح في ورعه وتحفظه وإفراط الثقة به، وأما قبول حديثه أو رده فموقوف عندي على الاطلاع على تأويله،

<<  <   >  >>