وغرضه الباعث له على التدليس، وعلى النظر في مقدار تغريره بالسامعين منه، وهل أمن من أن يقعوا بما حدثهم في فعل ما لا يحل لهم لو أبدى لهم ما كتم.
وذكر أبو المعالي أن للمحدثين اصطلاحات اقتضت أن يقولوا في بعض رواياتهم: أخبرني، وفي البعض: حدثني، وليست جارية على حقائق، ولكنهم لا يمنعون من اصطلاحاتهم، فإن لكل طائفة عبارات اصطلحوا عليها يديرونها بينهم. وهذا الذي قاله صحيح. وقد اشتهر من اصطلاحات المحدثين استعمال العنعنة في الحديث، بأن يقولوا: عن فلان عن فلان عن فلان، وهم إنما دعاهم لذلك طلب الاختصار لأن قول سحنون: حدثني ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام، أخصر من قوله: حدثني ابن القاسم، قال حدثني مالك، وقال مالك: حدثني نافع.
وقد قال بعض حذاق الأصوليين: إن هذا محمول على أن كل راو سمع الحديث ممن قال فيه عن فلان، إذا كان عاصره وحاضره، ومن الناس من لم ير هذا تصريحا بالسند وتوقف فيه مخافة أن يكون مرسلا.
وإذا وضح تحقيق العبارة عن أحاديث الإجازة، فإن العمل بأحاديث الإجازة فيه اختلاف بين الأصوليين؛ منهم من لا يرى العمل به، وألحقه بالمراسيل في حكم منع العمل بها، ومنهم من أوجب العمل بها ورأى تحقق المسند فيه، وهو اختيار القاضي ابن الطيب، وذلك أنا لا نشترط أن يقرر المحدث عند فراغ نوبة السماع على أنه يروي عنه ذلك كما تقدم، فنطقه بالحديث ليس بمشترط، وإنما المعتمد على استفادة العلم منه، بإنه يروي كذا وكذا، وأذن في أن يروى عنه، وهذا المعنى متحقق فيه، إذا أجاز كتابا أن يروى عنه معينا، أو أحال على مسموعاته إذا صحت عند المحال له.
وذكر أبو المعالي الاختلاف المذكور فيه إذا عين كتابا لتلميذه، فأجاز له أن يرويه عنه، أو أباح له أن يروي عنه ما صح من مسوعاته، واختار أبو المعالي العمل بالإجازة لأن المعتمد على حصول الثقة بالمخبر، وقد تقدم هذا مرارا، والثقة هاهنا حاصلة، ولكنه رأها تتفاوت مراتبها، فأعلاها أن يشير إلى كتاب بعينه، فيقول له: ارو هذا عني وبعض الناس يؤكد هذا بأن يناول الكتاب إلى التلميذ تأكيدا للرواية. قال أبو المعالي: وما أرى في مناولته مزيد تأكيد، وأشار إلى ضعف الإجازة التي أحيل فيها التلميذ على عماية وجهالة بأن يقول له أستاذه: أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك من مسموعاتي، واستبعد صحة ذلك عند التلميذ، وإن بطلت الصحة وعول فيها على خطوط رآها، عرف منها أن شيخه سمع الكتاب الذي رأى فيه الخط، فهذا ليس بمقنع في الثقة، ولكن أبا المعالي أشار إلى أنه