متى صح ذلك عند التلميذ صحة موثوقا بها، فإن يروي ذلك.
وهذا الذي أورده في هذا الفصل صحيح، ولكن يفتقر إلى مزيد إشارة إلى أصول تقدمت، وذلك أن أبا المعالي ذكر هاهنا تعويل التلميذ على خطوط، وقد قدمنا نحن ما قال العلماء في التعويل على الخطوط في الرواية والشهادة، وإن عول على خبر تلميذ آخر روى عن شيخه، فذلك يلحق من جهة بالإرسال، ومن جهة بالإسناد؛ فأما لحوقه بالإسرال فمن حيث إنه إنما عرف أن شيخه يروي كذا وكذا من قبل صاحبه لا من قبل شيخه، وأما لحوقه بالمرسل فمن جهة أن شيخه أذن له أن يروي مثل هذا عنه، فهو غير كاذب في أن الشيخ أرواه إياه، إذا قيد بالإجازة كما تقدم، والعمل به لازم إذا كان صاحبه الذي أخبره عن شيخه عدلا، وقصارى ما فيه أن يكون كالتلميذ لصاحبه، ولو حدثه صاحبه عن شيخه بما سمعه منه لوجب العمل فكيف به، وقد ينضم له إلى حديث صاحبه إذن شيخه في أن يعمل ويروي ما صح عنده (ص ٢٣٤) من مسموعاته.
هذا عندي كشف الغطاء عن حقيقة هذه المسألة، وعند انكشافه يتحقق وجوب العمل، ولا يتصور الخلاف فيه، إلا أن يدار الخلاف على جههة أخرى أشرنا إليها.
وأما الشيخ إذا ناول تلميذه كتابا كتبه بيده أو صححه بيده، فقال له: أرو هذا عني، فلا شك في وجوب العمل بهذا، ولا معنى للاختلاف فيه، وقد قدمنا أنا لا نشترط تقرير الأستاذ إذا فرغت نوبة الإسماع، وهذا وإن لم يسمع لفظ الأستاذ بالكتاب الذي ناول تلميذه، فإن مناولته إياه، وقوله له: ارو عني ما فيه كسماعه، وقد ذكر ابن وهب أن يحيى بن سعيد سأل مالكا عن شيء من أحاديثه فكتب له مالك رضي الله عنه بيده أحاديث وأعطاها له، فقيل لابن وهب: أقرأها يحيى بن سعيد على مالك؟ فقال ابن وهب: هو أفقه من ذلك. يشير بهذا إلى أن كتابة مالك لها بيده ومناولته إياها مغن عن قراءته إياها على مالك رضي الله عنه.
وقد حاول ابن خويز منداد الانتصار لتصحيح الإجازة والمناولة، وإلحاقها بالمسوغات شفاها بقوله تعالى:(ألست بربكم قالوا بلى)، وبقوله:(فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم)، وبما وقع من الأحاديث التيجرى فيها القول بـ "نعم" مجرى الحديث، فمن قال: نعم كقوله للنبي عليه السلام: "الله أرسلك إلينا؟ قال: نعم"، الحديث بطوله، وجوابه عن كل فصل فيه بـ "نعم" جرى مجرى نطق النبي عليه السلام بالفظ الذي سأله به