وأما إن كان الأستاذ لم يعول على أنه سمع كتابه لا من جهة ذكره لذلك، ولا من جهة خطه، ولكن لأنه رأى فيه خط رجل آخر يذكر فيه أن هذا الذي بيده الكتاب سمعه هذا الكتاب على شيخه كما جرت عادة اتلامذة بأن يكتب كل واحد منهم في آخر كتابه أو في أوله أسماء من سمع معه، فإن هذا الكتاب لهذا إن [لم] يحقق خطه، ولم يتحقق ثقته وعدالته فإنه لا شك أنه لا يحل له أن يروي هذا الكتاب مسندا إلى من كتب غيره عنه أنه سمعه معه، وإن كان هذا الأستاذ صاحب الكتاب تحقق خط من كتب فيه أنه سمعه معه، وعلم ثقته، فهذا مما اختلف فيه هل يجب قبول هذه الرواية أم لا؟ والمحدثون يقبلونها. والذي أراه في ذلك أنا إن قلنا: لا نعول في الشهادة ولا في الرواية على خط نفسه، ففي خط غيره أحرى [أن] لا يعول على ذلك. وأما إذ قلنا بقبول الشهادة والرواية على الخط، فإنه لا يصح عندي أن يروي هذا الكتاب، وأطلق الرواية على شيخهما جميعا بأنه حدثه، لأن هذا كذ وتدليس، لكن إن ذكر طريق روايته، وأخبر بصفة الحال، فقال: أحدث بهذا الكتاب عن فلان لا شفاها، ولكن تعويلا مني على خط فلان أنه سمعه معه على فلان، وخط فلان أتحققه، وأتحقق ثقته وعدالته، ومعلوم أنه لا يكتب ذلك إلا عن تحقيق ويقين، فإن هذا يقبل على هذه الطريقة، ولا يفتقر هاهنا إلى إذن الكاتب أن ينقل ذلك عنه كما يفتقر إلى إذن الشاهد في أن ينقل عنه شهادته إذا تحققها هاهنا، أن هذا ما وضع خطه إلا عن يقين، وقد ذكرنا مرارا أن المعتمد في قبول الراوية عن النبي عليه السلام على الثقة، فإذا حصلت وجب العمل، وليس في الروايات تعبدات وتقييدات كما في الشهادت، وقد تقدم بيان ذلك.
وأما إن لم تكن نسخة الشيخ بيده، لكنها كانت بيد قارئ يقرأها عليه، والقارئ موثوق بعدالته وتصحيح قراءته، فإن القاضي ابن الطيب تردد في العمل بهذا الخبر وصحة إسناده، ومال في الأظهر من تردده إلى أن ذلك لا يبقل، لأنه لم يحصل الشيخ على يقين من صحة ما حمله للتلامذة، وإنما قصارى ما حصل (ص ٢٣٢) من نظر الغير إلى كتابه يقرأ على الجملة.
وعندي أن الأولى في هذا سلوك الطريقة التي أشرت إليك بها الآن، وذلك أن الشيخ يصير معولا فيما يرويه ويحمله لتلامذته على نقل غيره عنه أنه روى كذا وكذا، وقد ينخرط هذا السؤال في سلك مسألة الأستاذ إذا روى عنه تلميذه حديثا، ونسي الأستاذ أنه حدثه به، حتى يصير في الرواية معولا على تلميذه، فكذلك هذا القارئ الذي أخبره بأن في كتابه كذا وكذا. ولو رأى ما في كتابه لقطع بصحته، فإن الأستاذ يصير هاهنا كراو عمن روى