للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صرح بأنه جهله، وهاهنا قد صرح الراوي بأنه جهله، فلذلك نبهناك على هذا هاهنا.

وأما إن كان الأستاذ سمع جميع ما في الكتاب، ويتحقق أنه سمع الجزء كله، ولكنه لا يحفظ ما في الكتاب عن ظهر قلبه، ولا يذكر سماعه لعين كل لفظة فيه، فإن هذا لا يصح له أن يرويه، ويجب العمل به.

وأما إن كان لا يذكر السماع ولا مجلسه ولازمه، وإنما عول في أنه سمعه على خطه الذي كتبه في أول كتابه، كما جرت عادة المحدثين أن يكتبوا في أوائل كتبهم: حدثني بهذا الكتاب فلان، فإن هذا ذكر الأصوليون اختلافا في قبوله والعمل به.

وذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن أبي حنيفة أنه لا يرى العمل به، وذكر أن ذلك هو مقتضي أصل مالك، واشار إلى تخريج المسألة على منع الشاهد من الشهادة على أمر لم يذكره، وإنما عول فيه على خطه، فعندنا في المشهور أن هذه الشهادة لا يعمل بها. قال القاضي أبو محد عبد الوهاب: وعلى الرواية الأخرى عن مالك في العمل بها يجب أن يعمل بمثل هذه الرواية التي فرضناها في هذا المحثد من كتابه الذي عول عليه على خطه. وذكر أن بعض الأصوليين نسب إلى الشافعي جواز العمل بمثل هذه الرواية، أخذ مذهبه هذا مما حكيناه عنه في الرسالة أنه قال: لا يحدث المحدث في كتابه إلا أن يكون حافظا له.

وبالمنع من العمل بهذه الرواية قال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وخالفا شيخهما أبا حنيفة في ذلك، وأشار القاضي أبو محمد عبد الوهاب إلى أن الفرق بين تقليد الراوي لغيره فيما يرويه، وبين تعويله على خطه أنه كان ذاكرا لما سمع متيقنا له، من غير تعويل على خطه، فلما طال العهد تناسى ما كان علم، وقد كان أولا مقطوعا به، وما كان إلى القطع عليه طريق، لا يعول فيه على الظن، بخلاف تقليد الراوي لغيره، فإن ذلك لا سبيل فيه إلى القطع، ولا طريق إلى التقليد. وأشار إلى أن القائلين بذلك يرون أن هذه ضرورة، وأن الأحاديث كثيرة، وأن الأشياخ الأئمة المكثرين من الرواية لا يكاد أن يخصلوا جميع ما رووه حفظا وذكرا مع تطاول الزمان، ولو شطرنا ذلك فيهم لا نحل أكثر الأحاديث، فلهذا قبل التعويل على الخط في مثل هذا.

<<  <   >  >>