النبي عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة". قال حدثني به أخي الفضل. ولقد قال بعض الناس: إنه رضي الله عنه لم يسمع من النبي عليه السلام إلا أربعة أحاديث، وزاد بعض الناس على هذا العدد قليلا. وألا ترى ابن عمر حدث بحديث أجر المصلي على الجنازة، ثم قال: حدثني به أبو هريرة، ألا ترى أبا هريرة حدث بأن "من أصبح جنبا فلا صوم له"، فلما وقع في القصة ما ذكره مالك في «الموطأ» من إرسال مروان إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، قال: إنما حدثني به الفضل فرأى هؤلاء أن هذه الأخبار وأمثالها إجماع الصحابة على العمل بالمراسيل.
وقد كان ابن الزبير صغيرا، والنعمان بن بشير، وقد رووا ما علم، والمخالفون لهؤلاء المستدلين لا يسلمون إجماع الصحابة على العمل بها، وليس تجويز الرواية على الإرسال يقتضي العمل بها، هذا وهم أيضا، إنما أمرونا أن الصحابة إنما عملت بأحاديث قوم صغار الأسنان مع تجويزهم أن يكونوا أرسلوا الحديث، ونحن إنما تكلمنا على حديث قطع فيه بالإرسال، فمن حاول قياس ما قطع فيه بالإرسال على ما جوز فيه الإرسال طولب بعلة جامعة بينهما، ولو أرودها كان ذلك قياسًا ظنيًا لا يؤدي إلى القطع. وهذا أيضًا إنما يحتاج إليه إذا قلنا: إنا لا نقبل المرسلات ولا من الصحابة. وأما إذا قلنا بقبول مراسيل الصحابة خاصة كما قدمنا ذكر هذا عن قوم، فإنا لا نحتاج إلى هذه الاعتبارات لكون ابن عباس وابن الزبير وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، ومراسيلهم مقبولة.
وأما من حكينا عنه أنه يرد المراسيل كلها إلا مراسيل الصحابة، فإنه يعتمد على أن الصحابة إنما يحدث بعضهم عن بعض، فإذا علمنا أن الصاحب إنما يحدث عن صاحب آخر، وكان جميعهم عدولا بتعديل الله سبحانه إياهم كما قدمنا وتلونا فيما سلف، وتعديل النبي عليه السلام إياهم بقوله: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهدتيم" وجب قبول إرسالهم خاصة، إذ عدالة أهل الأعصار الذين بعدهم لا يقطع بها في آحادهم كما قطع بذلك على الصحابة رضي الله عنهم.
واعلم أن هذا الاستدلال إنما يصفو لهم بعد التسليم أنه لم يكن في الصحابة أحد إلا معدل، وأما إذا قيل: إنه قد يندر فيهم من حدث عنه حادث قدح في العدالة، فإن هذا