الاستدلال يضعف لجواز أن يكون الراوي منهم إذا أرسل فإنه إنما أرسل عنه. وقد ذهب الفساق إلى أنه لا يبعد أن يكون فيهم من حدث منه ما أوجب التوقف عن قبول خبره، وقد يعتضد صاحب هذه الطريقة بحد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكرة لما حده بالقذف، وقد (ص ٢٢٩) اعتذر عن هذه الوقعة الشاذة النادرة فيهم رضي الله عنهم، بل إن أبا بكرة لم يورد ما حد عليه مورد القذف والسباب، لكن أورده مورد الشهادة التي قدرها قربة وعبادة، فكان من حكم الشرع جلده صيانة للأعراض، وحماية للذريعة، لا على أنه تعمد ركوب معصية بالقذف.
والقاضي أبو محمد عبد الوهاب يشير إلى إنكار أن يكون في الصحابة مقدوحا في عدالته، وإلى هذا أيضا يشير غيره من البغداديين من أصحاب الشافعي، وقد رأيت الأذري ترددفي هذا، ولكنه مال إلى أنه لا يشترط العصمة لجميعهم.
وقد قال من أنكر العمل بالمراسيل ولو من الصحابة: ليس يجوز أن يكون الصاحب أرسل عن التابعي، والتابعي غير مزكي بالشرع؟ وهذا التجويز يوجب التوقف عن قبول مراسيل الصحابة رضي الله عنهم.
وأما من أضاف إلى الصحابة والتابعين خاصة، فإنه يرى أن التابعي إنما يحدث عن الصحابة، وقد قدمنا أن الصحابة كلهم عدول، فإرسال التابعي إنما يكون عمن ثبتت عدالته، وهذا أيضا ضعيف لجواز أن يرسل التابعي عن تابعي أخر مثله.
وأما من أضاف إلى التابعين تابعي التابعين فلعله رأى أن هذا العصر الثالث هو نهاية ما ورد الثناء عليه، وإنما الفساد إنما ظهر وانتشر بعد هذا العصر.
وأما من قدمنا الحكاية عنه أنه يرى أن المرسل آكد من المسند، فإنه يعتل بأن الراوي إذا سمي رجلا فقد وكل النظر فيه إلينا، وإذا لم يسمه فقد تقلده، ولا يتقلد الإمام الثقة إلى عن ثبت وتصحيح.
وأما الشافعي فإنه ذكر عنه شروط في قبول المرسل، منها أن يعمل به صاحب، ومنها أن يسنده غيره، ومنها أن تعمل به العامة. وقد رد عليه ما قال، فأما عمل الصاحب فليس بدليل، وأما إسناد غيره فإنه يغني عن إرساله، وأما عمل العامة فإنه لم يرد [فيه] الإجماع، فلا حجة فيه.
وقد أغلى بعض من قال بقبول المراسيل حتى قال ما حكيناه عنه أنها أقوى من المسند، لعلة أن من أرسل تقلد التعديل. ويجاب عن هذا بأنا قدمنا أن الإطلاق والإرسال لا يتضمن التعديل في العرف والعادة.