اجتهاده إلى ما فعل، ولم يتعمد ركوب المعصية، ألا ترى أن بعضهم أشكل عليه الأمر فوقف عن الفئتين، حتى سمعوا العقد به، لأنهم قعدوا عن نصرة علي رضي الله عنه، أو النصرة عليه.
ولو أفضنا فيما يدل على صحة ما قلناه من قبول شهادة بعضهم عند الفئة القاتلة لهم، وتفويض الأحكام إليهم لخرجنا عن غرض الكتاب، وهذا يدل على أن المقاتل منهم لصاحبه كان يراه مجتهدا في قتاله متأولا، فلم يتبرأ منه، ولا أسقط شهادته.
ومن طعن في أبي هريرة لإكثاره، فقد طعن بما لم يطعن به، وقد ولاه عمر رضي الله عنه أمورا جسيمة، ولو كان غير عدل ما ولاه إياها، علي بعد عمر رضي الله عنه عن المداهنة والمراءاة.
وكذلك لمز من لمز ابن عمر رضي الله عنه يرد عليه بأن جبريل قد زكاه فقال في الصحيح:"نعم الرجل عبد الله". هذا وأئمة المسلمين في سائر الأعصار يرون عنهم، ويعملون بأحاديثهم، وقد قال البخاري: روي عن أبي هريرة سبعمائة من أبناء المهاجرين والأنصار، ومن اشتهر عند التابعين بالنقل عنه هذا الاشتهار كان الطعن فيه إزراء بعقول أئمة المسلمين، ومخالفة لما عليه نقلة هذا الدين.
فإن قيل: عدالتهم في تعديل الصحابة على ما تلوتم من القرآن وصدقتم، ولكن حدثت بعد ذلك حوادث تسقط العدالة في الموطأ وغيره من الصحاح، حديث الحوض وأخباره صلى الله عليه وسلم أنه "يذاد قوم عن حوضه فيقول: أصحابي، فيقال له: ما تدري ما الذي أحدثوا بعدك". قيل: أما هذا الحديث فمحال أن يراد به من أشرنا إليه من الصحابة رضي الله عنهم، ما بدلوا، ولا غيروا، وإنما أشار إلى من بدل دينه وغير، وقد بدل قوم دينهم وغيروا، وأولئك ليسوا الذين أردناهم، ولاهم المروي عنهم هذه الشريعة، وقد ذكرنا تأويلهم في القتال الذي جرى بينهم. وألف أئمتنا فيه دواوين مجردة للكلام على ما جرى بينهم، والذي ذكرناه لك على الجملة عليه التعويل، وإنما بقي النظر في تعيين تأويل كل قصة يتعلقون بها في القدح في العدالة.
والجواب المسكت لهم أن كل ما قدحوا به فيمن أسقطوا عدالته من الصحابة يتصور عليهم مثله في الصحابة الذين لم يقدحوا في عدالتهم، فإن ابتدوا إلى تأويل أفعال من وافقوا على عدالته، وحسنوا لهم المخارج قوبلوا بمثل ذلك فيمن خالفونا في عدالته، ولا يجدون فصلا بين الفئتين، فهم بين حيرتين، إما التأويل لأفعال الجميع، فنصل نحن بذلك إلى ما نريد، وإما إسقاط عدالة الجميع، وهذا خلاف الإجماع. وقد أجمع الناس على أنه لا