للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يثبت عندنا عدالتهم، لأنا لو طلبنا ذلك فإنا نطلبه بإخبار واحد لنا بذلك، أو إخبار اثنين، وقد استفاض ذلك حتى أخبرنا به الجم الغفير عن العدد الكثير، وصار ذلك في نفوسنا آكد من ثبوته لدينا بشهادة شاهدين، ولهذا يعمل بأحاديث الموطأ، والبخاري، ومسلم، لروايتنا هذه الدواوين عن شيوخ ثقاة، وأئمة عدول، وأخبرونا بذلك عن أمثالهم، حتى انتهى الأمر إلى مالك والبخاري ومسلم، وهؤلاء قد ذكروا أنهم ما أدخلوا في كتبهم إلا أخبار العدول، ولم يعثر مع البحث فيمن رووا عنه على خلاف ما وصفوه به.

فإذا تقرر هذا لديك فليكن أولى بهذا الوصف، وأحق بهذا الحكم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم إذا روينا حديثا، وثبت عندنا عدالة من (ص ٢٢٤) بيننا وبين التابعين فيه، وكان التابعي عدلا، فإنا نقبل الخبر إذا أضافه أحد من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، ولسنا نعني بأصحابه هاهنا كل من رآه اتفاقا، أو رآه لماما، أو ألم به لغرض وانصرف عن قريب، لكن إنما نريد بذلك أصحابه الذين لازموه، (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)، ولو لم يكن في تصحيح ما قلناه إلا هذه الآية التي شهد الله سبحانه لهم فيها بالفلاح مع إخباره عن أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم، فقال: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم)، وذكر في آيات لا تحصى ما أعد للمجاهدين معه من الخيرات، وأثنى عليهم ثناء جميلا في كثير من الآيات، وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، وفي أقل من هذا كفاية في تعديلهم وتزكيتهم.

ونحن نقبل تعديل رجل واحد عدل على ما بدا به من حسن الحال في غالب الأمر، وقد يغلط من جهة المراءاة والتصنع، فكيف بتعديل من عدله من يعلم السرائر وما تخفي الصدور، وإنما ذكرنا هذا ردا على من قال من المعتزلة بنفي عدالة قوم مشاهير قاتلوا عليا رضي الله عنه، وحكموا عليهم بالتفسيق، لجلهم رضي الله عنهم عن تسميتهم، لما وصفهم هؤلاء بالضلال بذلك، وقد وقف بعضهم بين الفئتين، ورأى أنه لو شهد اثنان كل واحد منهما من طائفة لم يجب قبول شهادتهما للتردد بينهما، إلى غير ذلك من أباطيلهم التي تفرهوا بها في نقلة هذا الدين وحملته الذين بأسيافهم ظهر، ومن ألسنتهم انتشر، ونحن نرى كلا منهم أداه

<<  <   >  >>