وأما الأصوليون فقد ذكرنا لك ما قال إمامهم وهو القاضي ابن الطيب، وكنا قدمنا لك أن أبا المعالي أشار إلى أن المعتمد في هذا على عمل الصحابة، وهم رضي الله عنهم كانوا يعولون على حصول الثقة بالخبر، وذكر أن كل ما يخرم الثقة فإنه يمنع من وجوب قبول الخبر، فينظر في هذا الاختلاف إذا وقع في راوٍ، هل ذلك مما يخرم الثقة أم لا؟ وقد ذكر أبو المعالي في باب التعديل والتجريح فصلا لطيفا، وذاك أنه قال: فهمها لم نجد إجماعا من الصحابة في قبول خبر، فإنا إذا لم نعرف رأيهم في جنس من الأخبار، أو المخبرين فإن القاضي ابن الطيب يقطع على رد الخبر، لأجل فقد الدليل الذي عليه يعول في العمل بالخبر.
وذكر أبو المعالي أن هذا المذهب وإن [كان] مخيلا، فإن الراوي لهذه أن يترك إلى ظنون الفقهاء، ويخلون [و] الاجتهاد فيها، كما يخلون مع اجتهادهم في المسائل الفقهية الظنية، واعتمد في ذلك على أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا ربما اتفق فيهم أن يعمل بعضهم بخبر ويقف آخرون عنه عن العمل به، لأجل اختلاف طرق الاجتهاد منهم في قبوله.
فإذا كان هذا معلوما من حالهم، ونحن إنما نعتمد عليهم في العمل بخبر الواحد، فهذا كانوا يرون صرفه إلى الاجتهاد، كما كانوا مجمعين على العمل بصنف آخر من الأخبار.
وهذا الفصل قد أفرده أبو المعالي بالذكر في خلال كلامه في التعديل والتجريح، وما له به تعلق، إلا أن ينظر فيه عند الحاجة إلى مثل النظر في هذه المسألة التي نحن في ذكرها، وهي اختلاف المعدلين والمجرحين، أو ما في معناها، وهذا الفصل الذي ألحقناه عنه قد يشير إلى إلحاق هذه بالمجتهدات عند اختلاف الشهود. في تعديل الراوي تجريحه، أو إلحاقها بما يرد لنفي الدليل على وجوب العمل به على رأي القاضي ابن الطيب الذي ذكره عنه أبو المعالي ورده.
المسألة السابعة: اعلم أنا لما ذكرنا الحاجة للوقوف على حقيقة التعديل والتجريح، وحققة من تقبل شهادته به، ومن لا تقبل، فلتعلم أنا لما ذكرنا لك حقيقة العدالة، فإن بعض الأشخاص قد اشتهر حصولها له اشتهارا يستغني سامع خبره أو شهادته على البحث عن حاله، أو استشهاد الشهود فيه، فنحن الآن لو حدثنا بحديث عن النبي عليه السلام، وعلمنا تعديل شيخنا فيه، وشيخ شيخنا، حتى انتهى السند بنا إلى مالك رضي الله عنه أو إلى سفيان الثوري، أو الحسن البصري، وأمثالهم، فإنا لا نطلب تعديل هؤلاء ولا نترك العمل به حتى