والمخالف مثل قوله:"في سائمة الغنم الزكاة"، دليله أن المعلوفة لا زكاة فيها، بخلاف المستفاد من النطق في السائمة من ثبوت الزكاة.
ومن الأصوليين من سلك مسلك هؤلاء في هذا الاصطلاح، وزاد قسما ثالثا فسماه لحنا وهو ما علم من المحذوفات المقدرة بلفظ كقوله تعالى:(اضرب بعصاك البحر فانفلق)، فمعلوم قطعا أن هاهنا حذفا وهو "فضرب".
وهكذا قوله تعالى:(فأتيا فرعون فقولا إنا رسولا رب العالمين* أن أرسل معنا بني إسرائيل* قال أم نربك)، تقديره:"فأتياه، فقال: ألم نربك".
وقد عد في هذا المثل من هذا النوع قوله تعالى في الحالف:(ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم)، تقديره:"فحثتم". وأنكر هذا آخرون، وقالوا: قد قال سعيد بن جبير: إن الحانث يكفر ولم لم يحنث، أخذا بهذا الظاهر من غير حذف، فلو كان المحذوف كالنص لما خالف فيه مثل هذا الرجل.
وهكذا أيضا قوله تعالى:(فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، قد تمثل به قوم وأنكره آخرون، لأجل أن من الناس من لم يقدر حذفا، وقال إن المسافر في رمضان يقضي الصوم، ولو صام في السفر، أخذا بهذا من غير حذف، وركب بعض الناس هذا في المريض أيضا، وقال: إنهم خرقوا الإجماع في المريض.
وهكذا قوله تعالى:(فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) تمثل به قوم، وقال آخرون: لولا الإجماع لم يثبت الحذف.
وعندي أن الأولين، إنما لم يتشاغلوا بعد هذا قسما ثالثا كما صنع هؤلاء، لأجل أن الغرض في علم الأصول تعليم أصول مأخذ الأحكام، والأحكام متحققة فيما سميناه فحوى، وفيما سميناه دليلا، ألا ترى أن حكم التأفيف النهي عنه، وقد استقل هذا النهي المنطوق به بنفسه، فدعت الحاجة إلى أن يبين أن حكم المسكوت عنه موافق له، كما دعت الحاجة في القسم الآخر إلى أن يبين أن الحكم المسكوت عنه بعكس حكمه.