في هذا الخبر، وارتفاع اللوم والذم لا ارتباط بينه وبين هذه الحقيقة التي كون هذا الخبر على خلاف المخبر عنه.
ولو شئت أن تأتي بعبارة جارية على هذا المسلك من التحديد، وتنتظم المذهبين لقلت: حد الخبر ما لا يخلو أن يكون مخبره على ما ليس هو عليه أو على ما هو عليه. وهذا المعنى من مطابقة الخبر لمخبره، أو مخالفته له متفق على أنه لابد منه، وإن وقعت المناقشة في تسمية ما يخالف مخبره كذبا إذا لم يقصد إليه، ومر بأنه لا يخلو عن أن يكون صدقا أو كذبا، فمعنى هذه العبارة أراد.
وقد يتعلق من ينصر مذهب من ذهب إلى اشتراط القصد في حقيقة الكذب بقوله تعالى:(إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسول والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)، فأكذبهم مع قولهم مقالا حقا، لما لم يقولوه عن اعتقاد. وهذا لا حجة فيه، لأنه وإن لم يكن صدقا عندهم لأجل عدم الاعتقاد فليس بكذب أيضا، لأن مخبره ليس بمخالف لخبره.
وإنما يحصل الكذب مع المخالفة ويبقى التنازع في مراعاة انضمام القصد إليها، فإن قيل: أكذبهم فيما أخبروا به من اعتقادهم، لأنهم قالوا: نشهد بذلك، وهم لا يشهدون به. قيل: قد رجع الأمر إلى مخالفة مخبره، وهذا واضح.
وقد حكى عن قوم من أهل العربية أنهم لا يصفون قول القائل: أتيتك غدا، بأنه صدق ولا كذب، فإن أضافوا إلى هذا أنه ليس بخبر، لم ينتقض حد الخبر الذي ذكرناه على أصلهم، وإن سلموا كونه خبرا، ومنعوا وصفه بالصدق أو الكذب، فالحد منتقض على أصلهم ولا وجه لمنع تسميته خبرا، وإن كان محالا، فكم من محال اتفق على تسميته خبرا، ولا نزاع في كونه كذبا، وليس في هذا أكثر من إيراد معنى متنافر.
والإخبار عن فعل تقضي وذهب زمانه بأنه فعل في زمان مستقبل، والعقل يحيل هذا وينكره، ولكنه بالجملة تضمن إفادة، ولكنها محال لا تتصور. ولعلنا أن نوسع هذا في تقسيم المخبرات إن شاء الله، وهذا الكلام على التسمية، والحد، والاعتراض عليه.
وأما الاعتراض على اصطلاح هذا الباب فإنه يقال: أطلق الناس تسمية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار، ومعظم ما قد نقل الرواة عنه صلى الله عليه وسلم أوامر ونوهي، والأوامر النواهي ليست بأخبار.