للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أحدهما: هل العلم الواقع عن الخبر المتواتر ضروري أو نظري؟

- والثاني: لماذا يستند هذا العلم؟

فإما كونه ضروريا فإنه مذهب جميع أصحاب المقالات سوى الكعبي وأتباعه، فإنهم ذهبوا إلى افتقار هذا العلم إلى تقدم استدلال، فالكعبي وجماعة ممن تبعه يرون أن هذا الاستدلال المتقدم للعلم يثمر علما نظريا كغيره من العلوم النظرية. ويرى بعض اتباعه أن هذا الاستدلال يثمر علما ضروريا.

وجمهور المصنفين يشيرون إلى مخالفة هذا المذهب أيضا لما عليه الجمهور لفظا ومعنى، وأبو المعالي حمله على مخالفة لفظية لا معنوية، ويرى أن المستمع للأخبار المتواترة لابد أن يصحب استماعه تأمل ما من تعري الأخبار عن التواطؤ عليها لغرض ما، أو لجامع وسائس ساس المخبرين حتى صاروا إليها، فهذا التأمل ضرب من الاستدلال وقع عنه العلم. فتلطف ابو المعالي في رد خلاف السمنية والكبيعة، إلى أمر قد يوافقون عليه، وأشار إلى تصحيح هذه المذاهب إن قصد أهلوها ما ظن بهم.

وقد رد المصنفون على الكعبية بأن الصبيان ومن تقاصر عمره عن النهوض بالاستدلال يعرف المخبرات المتواترة، كيف يعرف الطفل أمه، وهو في سن يقصر عن النهوض بالاستدلال، فلو وقف هذا العلم على الاستدلال لما أدركه من لم تبلغ فيه درجة الاستدلال.

وأيضا فإن ما يستدل عليه يختلف الناس فيه بالإبطاء والسرعة والتصرف في فنون المذاهب بحسب اختلاف القرائح والأفهام، وصحة التصور وفساده، وترى السامعين للأخبار المتواترة يتساوون في وقوع العلم مع اختلاف أفهامهم وطرائق استدلالالتهم، وما ذاك إلى لكونه علما غنيا عن الاستدلال.

وأما التفات الذهن إلى أن في تأمل يستفاد به التعري (ص ١٩١) عن أسباب المواطأة وما في معناها مما يمنع وقوع العلم، فإنما ذلك أمر لطيف خارج عن كيفية الاستدلال، ونازل منزلة تحديق الأبصار للمبصرات، والإصغاء بالأسماع للمسموعات، ومثل هذا لا يسمى استدلالا.

وقد تمسك الكعبي في تصحيح ما قال بأن هذا العلم لو علم على الضرورة لما خالف فيه هو أتباعه، فدل على أنه يعلم بالنظر، ومن البعيد أن يكون العلم بالمخبرات ضروريا، والعلم بنفس هذا العلم نظريا.

ورد القاضي هذا بأنه استبعاد اقتصر عليه على الدعوى من غير حجة، والعلم الضروري يفتقر إلى النظر في إبطال طرق النظر التي توصل إليه، حتى يعلم انحسام مواد

<<  <   >  >>