للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوجه الثاني من مناقشة هؤلاء الذين زادوا القسم الثالث، يتعلق بالمدافعة عن تصوير المذهب، وذلك أن أبا إسحاق الإسفراييني من جملة من أثبت هذا القسم الثالث الذي هو الخبر المستفيض، ومثله بالخبر عن النبي عليه السلام الذي اشتهر عند أئمة الحديث، فلم ينكروه، ورأى هذا مما تعلم صحته علما نظريا، لا علما ضروريا، وكأنه استدل بالاشتهار مع التسليم، وعدم الإنكار على صحة الحديث، وقطع على صدقه.

وقد أشار ابن فورك إلى طريقته هذه في صدر كتاب "مشكل الحديث" الذي صنفه، وتمثل في هذا بخبر: "في الرقة ربع العشر"، وبخير: "في مائتي درهم خمسة دراهم"، وشبه ذلك.

وأنكر أبو المعالي أن يكون هذا طريقا إلى العلم، ورأى أن التسليم وعدم الإنكار من أئمة الحديث لا يقتضي أكثر من الظن، وذكر عن ابن فورك أنه قال في بعض مصنفاته: إن الخبر الذي تلقته الأئمة بالقبول يقطع بصدقه، وأنه فصل القول في ذلك أيضا في بعض مصنفاته، فذكر أن القطع إنما يتحقق إذا تلقوه بالقبول قولا وعملا، وأما مجرد العمل فلا يكون طريقا إلى القطع، لأنهم متعبدون بالعمل بخبر واحد، وذكر أن القاضي ابن الطيب لم يسلم القطع، ولو تلقوه بالقبول قولا، لأجل أن التلقي بالقبول وإظهار التصديق يكون مستندا إلى ما حصل لهم من غلبة الظن بصدق العدل فيما رواه، وتصديق العدول غير مستنكر. فقيل للقاضي: فلو صرحوا بأن التصديق لم يصدروه عن ظن بل عن قطع. فقال: هذا لا يقع، لأجل أن قطع الأمة على أمر مجوز من غير طريق يقتضى القطع خطأن والأمة معصومة عن الخطأ. وهذا الذي أورده أبو المعالي من التعقب فيما مثل به الإسفراييني صحيح.

وأما الحكومة بين ابن فورك والقاضي ابن الطيب رضي الله عنهما، فيما نقلناه عنهما، فإن ما أظهره القاضي صحيح من أن الأمة لا تجمع على خطأ، وما ذكره ابن فورك صحيح في أن إجماعها على أمر ما يتضمن القطع منا بصحة ما أجمعوا عليه فصحيح أيضا، ولكن الإنصاف [الـ]ـتفصيل في تصديق الخبر المروي، فإن لاح من سائر العلماء مخايل القطع والتصميم، وأنهم أسندوا التصديق إلى يقين فلا وجه للتشكيك، ويحمل عليهم أنهم علموا صحة الحديث من طريق خفيت عنا، إما أخبار (ص ١٩٠) نقلت تواترا واندرست، إن كان الخبر مما يصح اندراسه، أو من غير هذه الطريقة. وإن لاح منهم

<<  <   >  >>