للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المناقشة قريب، والغرض متفق عليه، وهو أن لابد من كون الراوي قاصدا لما يرويه، عارفا بصيغ ما يورد، وهذا لا يصح [إلا] مع سلامة العقل، فهذا الكلام في الشرط الأول وهو العقل.

وأما اشتراط البلوغ فإنه لا يغني عنه اشتراط العقل، عند من رأى أن المراهق عاقل، وقد قدمنا مذهب القاضي في هذا، ومذهب غيره.

فأما اعتبار البلوغ فعلى وجهين: أحدهما اعتباره حين تحمل الرواية، والثاني اعتباره حين أدائها. فأما اعتباره حين التحمل فالذي عليه المشاهير من الفقهاء والأصوليين أن ذه لا يعتبر، وأن الصغير إذا سمع حديثا قبل بلوغه أو تحمل شهادة حينئذ، ثم بلغ فروى ما سمع، وشهد بما كان علم به أن ذلك مقبول منه، ويعمل بروايته، ويقضي بشهادته إن كان عدلا.

وذهب قوم إلى أن ذلك لا يقبل منه حتى يكون سماعه لما يعيه ومعاينته لما يشهد به، إنما كان ذلك منه بعد بلوغه، وهذا مذهب ضعيف، لأن المعتبر في المحتمل إمكانه (...) (ص ٢١٣) به.

وقد قدح في هذا الاستدلال أن خبر العبد يقبل ولو أقر على نفسه بما يؤدي إلى غرامته وهو غير مأذون له لم يقبل، وهذا يدل على أن الخبر عن الغير لا يقاس على الخبر عن النفس، هذا أيضا، ولم يسلم من القحد فهو قياس من جنس أقيسة الفقهاء فتحري فيه على ما قلناه من رده إن كانت المسألة قطعية.

وأما الشرط الثالث وهي العدالة فإنا سنتكلم فيما بعد عن حقيقة العدالة وما يتعلق بها.

وأما اشتراطها في الراوي على الجملة فإن الراوي لا يخلو من ثلاثة أقسام؛ إما أن يكون معلوم العدالة، أو معلوم الفسق، أو مجهول الحال.

فأما معلوم العدالة فلا كلام في قبول شهادته.

وأما المعلوم الفسق فلا يخلو من أن يكون فسقه واقعا منه عن عمل منه بأنه فسق كالزنا والسرقة وقتل النفس المحرمة، وإما أن يكون وقع منه عن تأويل كاستباحة الخوارج للأموال والدماء، أو كنفي المعتزلة علم الله سبحانه وقدرته مع مصيرهم إلى أنه عالم قادر على أحد القولين عندنا في أن ذلك لا يقتضي تكفيرهم، وإنما يقتضي تفسيقهم. ولا شك أن الخوارج والمعتزلة معتقدون أنهم مصيبون فيما قالوه وفعلوه، متقربون إلى الله سبحانه، فلم يقع منهم

<<  <   >  >>