- وهكذا عائشة رضي الله عنها إنما عولت في رد خبر ابن عمر على قوله تعالى:(ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وذكرت أن خبره ورد في معنى مخصوص. وقد ذكرنا أن من الأخبار ما لا يقبل لعلل فيه، وربما كانت العلة من ناحةي سنده، وربما كانت من ناحية متنه أو من ناحية قيام أدلة بخلاف.
وهذا كاف في الجواب عن هذه الأخبار، وإذا اتضح الجواب عنها جملة وتفصيلا، بطل تعلق من تعلق بها في مصيره إلى إنكار العمل بخبر الواحد على الإطلاق، وبطل أيضا تعلق من تعلق بها في أنه لا يقبل [خبر] واحد، وإنما يقبل اثنان على ما فصلنا مذهبه في ذلك، وفي هذا كفاية.
وقد أشرنا في تفصيل مذهبه إلى أنه يرى تضاعف الأعداد بقدر تكرار الأعصار، وهذا المروي على أصله يعطل جل أحكام الشرع، فإنا بيننا وبين عصر النبي عليه السلام اعصر كثيرة، فإن قدرنا أن الخمسمائة عام التي بيننا وبين النبي عليه السلام خمس أعصر لم نقبل خبرا حتى يكون عدد رواته لنا اثنين وثلاثين رجلا، ولو قدرنا أنا في العصر السابع مثلا لم نقبل خبرا حتى يكون رواته مائة وثمانية وعشرين رجلا، وهذا إسراف يؤدي إلى تعطيل الشرع وعدم الفائدة بكل ما في الدنيا من كتب الأحاديث، وهذا واضح البطلان.
والسؤال الثاني أن يقال: دفعتم أحاديثنا، فإنهم إنما ردوها لعلل وأعذار، كما أنكرتم أن يقال: إنهم لم يعملوا بأحاديثكم التي رويتموها، وإن عملوا بأدلة ضامتها. وقيل: هذا معلوم (ص ٢١٢) بطلانه قطعا من جهة ما فهم من النقل عنهم، وكما قطعنا من جهة النقل على أنهم عملوا بأخبار الآحاد، فكذلك قطعنا من جهة الفهم لهذا النقل، على أنهم إنما عولوا في العمل عليها دون ما سواها، كيف وعمر رضي الله عنه كان يرى الجنين إذا خرج ميتا أنه لا شيء فيه، فلما روي له حديث المغيرة رجع إليه، وقال: كدنا أن نقضي فيه برأينا، وهكذا فعل في حديث الطاعون، فإنه رجع عند سماع حديث عبد الرحمن، وهذا مفهوم من طريق النقل وسياق الحديث. وهكذا ما جرى للصديق ولغيره رضي الله عنه من وقف على سياق الأخبار وتتبع ألفاظها، علم قطعا أنهم لم يرجعوا إلا إليها، ولم يبحثوا عما سواها بعد سماعها، وقد رجعوا في كثير منها بعد أن وقوفا وأعياهم البحث والنظر فلم يعثروا على شيء، وهذا كتاب الله تعالى موجود بني أظهرنا، وليس فيه دلالة على حكم كثير مما رجعوا إليه عند سماع الأخبار، ولو كان فيه دلالة ما استشار الصديق الصحابة، ولا استشارهم عمر أيضا، وهذا واضح يستغنى بوضوحه عن الإطناب فيه.