للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأحد السؤالين أن يقال: بينوا هذه المعاذير التي ردوا الأخبار بسببها، فنقول لهم: لا يلزمنا في حكم الجدل بيانها، وإنما يلزمنا أن نحيل على معاذير على الجملة، ونحيل تفصيلها ومعرفتها عليهم، وإذا كان فعل مستنكر في الظاهر، وعلم العاقل حذر فاعله على الجملة خرج بعلمه ذلك الفاعل عن أن يكون وقع في قبيح، كما يخرج الفاعل عن ذلك إذا علم عذره على التفصيل. وإن تطوعنا بالإشارة إلى تفصيل المعاذير فقد قيل:

- أما الصديق رضي الله عنه فيمكن أن يكون طلب الاستظهار في توريث الجدة بزيادة راو آخر، ولا حرج في الحاكم أن يتطلب مزيدا من البينات، وقد استقلت من ناحية الشرع، إذا طلب فيها زيادة الوضوح عنده، ويمكن أيضا المغيرة لما روي له أنه أطعمها السدس صار ذلك كحكم في شخص خاص شهد به، فأراد استعلام خبر يقوي به عنده إمضاء الحكم.

- وأما عمر رضي الله عنه فإنه قد قيل: إن أبا موسى الأشعري صار كالمطلوب بأمر لما تهدده عمر، فصارت روايته كالشهادة لنفسه بما ينفي عنه ما طلب منه وهدد به، فلهذا احتاج عمر رضي الله عنه إلى خبر غيره. وغير هذا الاعتذار أولى منه، وهو أنه رضي الله عنه طلب أيضا مزيدا في الاستظهار، وقد صرح بهذا فقال لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على النبي عليه السلام، فاشار إلى أن ذلك منه حسما لمواد الريب عن الأخبار، وأشار إلى التقليل منها ومجانبة الإكثار، إذا خيف الوقوع في الغلط والوهم.

- وأما رد الصديق وعمر رضي الله عنهما خبر عثمان، فقد قيل: إنه كان مشهورا بشدة الميل لأقاربه، والحكم من أقاربه، وإنما نقل أن النبي عليه السلام قضى لواحد من أقاربه بحق ما، وهو رجوعه إلى المدينة، وذلك كالشهادة على قاض بأنه قضى لإنسان بقضية، ألا تراهما رضي الله عنهما قالا له رضي الله عنهم إنما أنت شاهد واحد.

- وقيل: إن عليا رضي الله عنه إنما رد خبر أبي سنان لأنه استرابه، ولم يره ممن يقبل مثل هذا الخبر [منه]، وأخبره أنه لا يرجع إلى قول أعرابي بوال على عقبيه.

- وهذا مثل العذر عن رد عمر رضي الله عنه خبر فاطمة، لأنه قال: لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة لا ندري نسيت أو كذبت، وكانت أيضا قصتها معروفة، وسبب إخراجها في العدة بذاءة لسانها، فرأى أن مثل هذا الخبر لا يقبل منها لمخالفته كتاب الله عنده، ولأنه كان له سبب معلوم.

<<  <   >  >>