فمن ذلك قولهم: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، لما سأل عن ميراث الجدة، فروى له المغيرة بن شعبة أن النبي عليه السلام أطعمها السدس، لم يقبل ذلك منه، حتى روى له محمد بن مسلمة أن النبي عليه السلام ورثها.
- وهكذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس في السكنى والنفقة.
- ورد خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان عليه ثلاثا، ثم انصرف، فرده واستعلم السبب منه فأخبره فتهدده إن لم يأت بآخر يخبر عن النبي عليه السلام بمثل ما أخبر، حتى أتى أبو سعيد الخدري فأخبره بمثل خبره.
- وهكذا رد الصديق وعمر رضي الله عنهما خبر عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ على جلالته ـ لما أخبرها بأن النبي عليه السلام أذن للحكم بن أبي العاص في رجوعه إلى المدينة.
- وهكذا رد علي رضي الله عنه [الخبر] الذي روي له في نكاح التفويض في قصة بروع بنت واشق.
- وهكذا ردت عائشة خبر ابن عمر لما روى أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.
والجواب العام عن هذه الأحاديث أن نقول: قد أوردنا عليكم من الأحاديث المتضمنة لقبولهم خبر الواحد ما يكثر تعداده، وتواتر المعنى المراد منه، ورويتم أنتم أحاديث ردوها، فإذا كان النقلان صحيحين، فلابد أن ننظر في الذي يعول عليه منها، فنقول: إذا تعارضت الأخبار وأردنا رفع التناقض منها بنيناها وجعلناها وإرادة على اختلاف أحوال، فأنتم ليس عندكم لخبر الواحد حالان، بل إنما له حالة واحدة عندكم وهي (ص ٢١١) الاقتضاء برده على الإطلاق، فلا حيلة لكم في الاعتذار على أصلكم الفاسد في اختلاف هذه الأخبار، بل أنتم مضطرون إلى تكذيب روايتها، وهذا لا سبيل إليه، أو إضافة التناقض والاضطراب والوقع في الخطأ إلى الصحابة رضي الله عنهم، ومعاذ الله منه، فكل مذهب أدى إلى هذين الأمرين فهو باطل.
ونحن لا نقول إن كل خبر يقبل، ولا نقول: إن كل خبر يرد، بل نقول: يجب قبول بعض الأخبار إذا كانت على شروط وصفات، ولا يجب قبول بعضها إذا عدم منها تلك الشروط والصفات، فيحمل ما قبلوه على أنهم رأوه قد تكامل فيه قبول الصحة والقبول، ويحمل ما ردوه على أنه عري من ذلك، وفقدوا فيه شروط الصحة، فلا نضيف إلى الأخبار كذبا، ولا إليهم رضي الله عنهم تناقضا وغلطا، وهذا واضح قاطع في الجواب عن جميع ما قالوا، ولا يبقى عليه إلا سؤالان، إذا أجبنا عنهما لم يتخالج اللبيب شك في صحة ما قلناه.