والنكتة التي لم يدر عليها هذا الخلاف، ومنها ينشأ النظر في المسألة أن لو تحققنا أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم خولف بطريق لا يجب اتباعها لم يختلف مسلم في طرق هذه المخالفة، وترك الالتفات إليها.
كما لا يختلف أحد في أن هذه المخالفة إذا علم أنها بوجه حق، وطريق يجب اتباعها كحديث آخر سمع من النبي عليه السلام يجب أن يرجع إليه، فإن الرواية لا يعمل بها، بل يعمل بما صار إليه الراوي، وليس ذلك لأجل مذهب الراوي، بل لما أحلنا عليه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يتحقق أحد الأمرين، فهنا يحسن الخلاف، ويقع الإشكال في هذا الوسط إلى كل واحدة من الحاشيتين، فحسن عند قوم تحسين الظن بالرواة، وحمل مخالفتهم على أمر سمعوه من صاحب الشرع غير ما أبدوه ونقلوه، فصاروا إلى اتباع مذهب الراوي.
ورأى آخرون أن كلام صاحب الشرع قد دل الدليل على وجوب اتابعه، ونحن على يقين من صدقه وصحته، لا نترك قوله صلى الله عليه وسلم لقول غيره.
وفصل أبو المعالي القول فرأى أننا إن تحققنا أن مخالفة الراوي كانت لنسيان الخبر، أو لأنه لم يفهم معناه، فلا شك أن الحق اتباع ما رواه، وكذلك إن فسق فسقا يظهر منه أنه اجترأ على مخالفة ما روى عصيانا وطغيانا، فإنه لا يعتبر بمذهبه في المخالفة، بل يجب اتباع الرواية إذا أوردها في وقت يجب فيه قبول روايته لعدالته. وكذلك إذا روى خبرا بالرخص والتحليل في أصوله، أما في التحريم ثم وقف متورعا فإنه لا يترك الخبر لوقوفه الذي دعاه إليه المبالغة في التورع والتمسك بالأفضل.
وإن خفي عنا سبب المخالفة، ولكنا علمنا أنه خالف ذلك عمدا وقصدا، فالمختار لا يعمل بما رواه، لأن الظاهر أنه لا يرتكب مثل هذه المخالفة إلا بمسموع آخر اقتضى مخالفة، من الأسباب التي قدمناها، وإن لم نحط علما بالداعي إلى المخالفة، ولا ظنناه، بل ترددنا في ذلك تردد شاك، فإن الواجب اتباع ما رواه، إذ ما رواه محقق، فلا يترك المحقق المتيقن إلا بأمر مجوز.
ولو ظننا أنه يعمل المخالفة ظنا من غير يقين، فإن هذا ربما أثر في دلالة العام وحطها عن منصبها (ص ١٤٢) في قوة الظهور، حتى يكون التأويل المخرج للفظ عن الاستيعاب المطابق لمذهب الراوي تساهل فيه ما لا يتساهل فيه، إذا لم تقع هذه المخالفة المظنونة